كان طريق الحج العراقي يستخدم من قِبل الحجاج القادمين من العراق وذلك عبر طريقين، أحدهما يبدأ من الكوفة والآخر من البصرة. كان طريق البصرة يجتاز القسم الشمالي الشرقي من شبه الجزيرة العربية عبر وادي الباطن وصحراء الدهناء والقصيم ليلتقي بعد ذلك مع طريق الكوفة مكة في ميقات ذات عرق. أما طريق الكوفة وهو ما أصطلح على تسميته بدرب زبيدة (المسمى باسم زوجة الخليفة العباسي هارون الرشيد) فيبلغ طوله حوالي 1400 كم، وهو يمر بمناطق مختلفة في طبيعتها متباينة في تضاريسها فتارة يكون مستوياً على أرض رملية أو طينية، وتارة آخرى يكون منحوتاً وسط الصخور في المناطق الجبلية، وفي بعض أجزائه يكون موسعاً وخالياً من العوائق الخطرة في المناطق الوعرة. وطبقاً لما ورد عن علماء الجغرافيا المسلمين الأوائل فإنه يوجد على طول الطريق من الكوفة إلى مكة المكرمة حوالي أربع وخمسين محطة رئيسية، كما توجد محطات أخرى صغيرة فيما بينها. وكانت كافة المحطات الكبيرة منها والصغيرة على حد سواء مزودة بمصادر المياه حيث أمنت بشبكة على درجة كبيرة من الإتقان تتكون من برك المياه، وتشمل الخزانات والأحواض والآبار على اختلاف أنواعها وكذلك القنوات والسدود. وقد كشفت الأبحاث الأثرية التي تمت على هذا الطريق عما يقرب من خمسين بركة للمياه وهو تقريباً نفس العدد الذي ذكره علماء الجغرافيا المسلمون الأوائل، وقد وجد ما يزيد على أربعين من هذه البرك في داخل أراضي المملكة العربية السعودية وحدها، منها المستديرة والمستطيلة وكذلك المربعة.
أهم إصلاحات الطريق
الطريق في زمن الدولة العباسية
- بدأ العمل في الطريق بعد عامين من قيام الدولة العباسية حين أمر أبو العباس السفاح بتسجيل علامات الأميال، وبناء المنارات وأوقدت النار عليها ليلاً لهداية الحجيج في المسيرة.
- جاء دور المهدي وشهد عام 161هـ وأمر بتجديد وتوسعة جميع المباني التي أُنشئت مسبقاً بين محطتي الكوفة وزبالة، ولقد بلغت العناية أوجهها في عهده حتى أن الثلج كان يُجلب للمهدي من العراق إلى مكة المكرمة في حجة سنة 160هـ، حتى أن زوجة المهدي وأم الخليفة الرشيد الخيزران قدمت إصلاحات كثيرة منها أنها أمرت بإقامة علم الخيزران على بعد أميال من محطة زبالة، وأنفقت الكثير من مالها على رصف المواضع من الطريق حيث أمرت مائة من الرجال بإقامة رصيفين من الحجارة على منطقة تكثر فيها الأوحال ويتأذى الحجاج من الطين اثناء موسم الأمطار.
- أهتمت زوجة هارون الرشيد زبيدة بتوفير الماء طول درب الحج، كما أمرت بإقامة الخزانات والصهاريج وحفر الآبار وتشييد العديد من المباني مما حمل الدرب أسمها.
- فور تولي المأمون الخلافة أمر بزرع الطريق؛ فوجد طوله 712 ميلاً من بغداد إلى مكة المكرمة.
- أهتم بالدرب أيضاً الخليفة المقتدر العباسي وعضد الدولة في القرنين الثالث والرابع عشر، وكذلك من بعدهم البويهيون والسلاجقة في العصر العباسي الثاني.[1]
الطريق في القرن 19 زمن إمارة آل رشيد
كانت قوافل الحج الفارسي التي تعبر طريق الحج الكوفي تمر على المناطق التالية: النجف إلى السلمان - لينة - الخضراء - الشعيبة - بقعاء - حائل - قفار - المستجدة ومنها للحجاز. وكان مرورها عبر حائل منذ العهد القاجاري (1200هـ/1785م - 1327هـ/1909م) منوطة بأمراء الجبل -وهم آل علي- حيث تستقر فترة للاستراحة والتموين ويستقبلها أمير الجبل بكل حفاوة، وتجري خلالها عمليات البيع والشراء في نفس الموقع خارج حائل، ويقدم ابن علي للحملة أدلاء تساعد القافلة في سيرها إلى مكة إلى أن تتجاوز قرية المستجدة، ومن بعدها تتولى الدرعية تلك المهمة.[2] ومن المعروف أن طرق قوافل الحج هي نفس طرق القوافل التجارية، لذلك تصاحب قوافل الحج القوافل التجارية في ذهابها وإقامتها في جبل شمر وعودتها إلى العراق والشام لكي تكون قوية في أعين قطاع الطرق. ويصل عدد القافلة التجارية الواحدة بين جبل شمر إلى العراق إلى حوالي 300 بعير، وذكر بعض الرحالة الأوروبيين بأنها تصل إلى أكثر من 10،000 جمل.[3] وتمكن الأمير طلال ابن رشيد من أن تكون له الغلبة في نقل القوافل والسيطرة على الطرق عبر إنشاء مكاتب للإمارة في بغداد والنجف والزبير، وأيضا بدأ بتقوية جيشه وقواته لحماية الطرق التجارية وقوافلها التي تمر على إمارته، مما جعل تلك القوة مطلوبة لدى تجار حماية القوافل خارج حدود الإمارة، واستفادت الإمارة من عقيلات شمر لمنافسة القوى الأخرى المسيطرة على طرق التجارة مثل عقيلات القصيم. وكذلك حاول الأمير طلال إغراء أمراء القوافل أن تكون حائل أهم مركز لطرقهم التجارية، وذلك بتقديم التسهيلات والحماية.[4][5]
أراد الأمير طلال في عهده أن يكون نقل الحجاج الفرس له صفة رسمية كما فعل والده، فأرسل أخيه متعب فعقد صفقة مع حكومة فارس لضمان نقل الحجاج الفرس والعجم عبر طريق الجبل، فبدأت قوافل الحجاج العراقيين وبلاد فارس بالمرور عبر حائل، واستمرت على ذلك الطريق حتى سقوط الإمارة سنة 1340هـ/1921م.[6] ولتاكيد أمن الحاج أوكل طلال مسؤولية حماية تلك القوافل لأخيه متعب، فيبدأ بقيادة قافلة الحج من داخل العراق مباشرة إلى حائل، وبالقرب من أسوار المدينة يجري بناء مخيمات للإقامة فيها عدة أيام، وهذه الإقامة غير ثابتة المدة، وتتراوح من أربعة أيام إلى إسبوعين. فمرور تلك القوافل على حائل تنعش أسواقها وتزيد من دخلها، فقد كانت القوافل تستأجر الأدلاء والحراس، وتشتري أو تستأجر الإبل الجيدة من الأهالي، وتبيع الإبل المنهكة أو المريضة، ويشتري حجاجها ما يحتاجونه من أطعمة ومعدات السفر مثل: الأواني والدلاء والقرب والحبال. وكانت أجرة نقل الحاج الواحد 10.6 ليرة عثمانية ذهبية بالإضافة إلى 1.5 ليرة ضريبة للإمارة.[7][8] إلا أنه واجه بعض المشاكل في البداية نتيجة لتحركات الشريف عبد المطلب سنة 1267هـ/ 1851م عندما حاول سحب الامتياز نقل الحجاج عبر إمارة جبل شمر، فراسل الباب العالي مشوها الحالة الأمنية في المنطقة، وطرح مشروع إرسال ممثل من عنده يعمل على حماية الحجاج، ويتقصى طريق الحاج، ويأخذ تعهدات على القوى في نجد بضمان وسلامة الحجاج القادمين من ذلك الطريق. إلا أن تلك المحاولة باءت بالفشل.[9] ونتيجة لذلك كان الأمير طلال يرسل الهدايا السنوية من الخيول العربية الأصيلة، فيرسل إثنين إلى شريف مكة وإثنين إلى محافظ المدينة المنورة، وذلك لزيادة الدعم والمساعدة للحجاج القادمين من العراق وفارس الذين تتوقف قوافلهم في جبل شمر ومنها ينطلقون إلى الحجاز برفقة وفد رسمي من حائل.[10]
كما استغل الأمير طلال الحروب التي أشعلها الإمام فيصل آل سعود ضد إقليم القصيم، فحاول نقل حجاج العراق التابعين للسلطان العثماني عبر حائل، وقام بتلك المساعي أخوه متعب حيث تمكن من توقيع اتفاقية مع والي بغداد ومع مسؤولي مكاتب الحج في بغداد سنة 1275هـ/1859م، فانتزع قيادة نقل حجاج بغداد واتباع الدولة العثمانية في العراق من آل بوعليان أمراء بريدة ومن بعدهم آل مهنا.[11] ولكن ذلك لم يكن يرضي «مهنا بن صالح أبا الخيل» أمير بريدة الجديد الذي طالب بحقوقه وامتيازاته التي فقدها بطريقة اعتبرها مكيدة، فقد كان دخل طريق الحاج ونقلهم من المصادر المهمة لقوة اقتصاده. وكاد ذلك أن يشعل معركة بين الأميرين مهنا ومتعب لولا تدخل التاجر محمد الرواف أحد كبار العقيلات لحسم هذا الأمر، واشترى حقوق الأمير مهنا في إمارة القوافل.[12]
المنازل التي أُقيمت على الطريق
- النباج
- القريتين
- ضرية.[13]
- القاع
- زبالة
- الشقوق
- البطان
- الثعلبية
- الخزيمية
- زرود
- الاجفر
- فيد
- توز
- سميرا
- الحاجر
- النقرة
- مغينة الماوان
- الربذة
- السليلة
- العمق
- معدن بني سليم
- الافيعية
- المسلح
- غمرة
- ذات عرق
- بستان بن معمر
- مكة المكرمة.[14]
انظر أيضاً
وصلات خارجية
- طرق قديمة سلكها الحجاج للوصول إلى مكة.
- في دراسة للدكتور الراشد عن طرق الحج قديماً7 طرق رئيسية للحج والتجارة شهدتها الجزيرة العربية.
المراجع
- ^ الملامح الجغرافية لدروب الحجيج، سيد عبدالمجيد بكر، ط1،الكتاب الجامعي ، 1401هـ/1981م، ص19.
- ^ الشمري 2016، صفحة 152.
- ^ المفضلي 2014، صفحات 215-217.
- ^ بلجريف 2001، صفحة 144.
- ^ الشمري 2016، صفحات 157-158.
- ^ المفضلي 2014، صفحة 192.
- ^ الشمري 2016، صفحات 154-155.
- ^ المفضلي 2014، صفحة 168.
- ^ الشمري 2016، صفحة 357.
- ^ فالين 2008، صفحة 154.
- ^ الشمري 2016، صفحات 156-157.
- ^ الشمري 2016، صفحة 241.
- ^ الآثار الاجتماعية والاقتصادية لطريق الحج العراقي على منطقة القصيم، إعداد صالح بن سليمان الناصر الوشمي، إشراف الاستاذ الدكتور عبدالله بن ناصر الوهيبي، ط1، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1415هـ/1994م، ص109.
- ^ الملامح الجغرافية لدروب الحجيج، سيد عبدالمجيد بكر، ص23.
المصادر
- الشمري، خليف (2016). طلال بن عبد الله آل رشيد. 1238-1283هـ/1822-1867م قراءة سوسيو-تاريخية. بيروت: جداول للنشر والتوزيع.
- المفضلي، مشعل بن مهجع (2014). الصلات الحضارية بين جبل شمر وجنوبي العراق. 1250-1340هـ/1835-1921م. بيروت: جداول للنشر والتوزيع.
- بلجريف، وليم (2001). وسط الجزيرة العربية وشرقها. ترجمة:صبري محمد حسن. القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة.
- فالين، جورج أوغست (2008). رحلات فالين إلى جزيرة العرب. ترجمة:سمير سليم شلبي (ط. الأولى). بيروت: دار الوراق. مؤرشف من الأصل في 2023-11-04.