فرع من | |
---|---|
الفروع |
القوط (باللاتينية: Gothi) قبائل جرمانية شرقية.[1][2][3] أرجح الآراء أنهم قدموا من إسكندنافيا إلى وسط وجنوب شرق القارة الأوروبية، لكن يبقى الخلاف على البلاد الأوروبية التي قدموا منها قائماً إلى اليوم. كان للقوط تأثير قوي في تاريخ أوروبا السياسي والثقافي والديني. يُقسَمون إلى قوط شرقيين وقوط غربيين.
التاريخ
قبل التاريخ
تعد مخطوطة «غيتيكا» لمؤرخ القرن السادس يوردانس، الذي ربما كان من أصل قوطي، مصدرًا مهمًا حول التاريخ القوطي. يدعي يوردانس استناد مخطوطته غيتيكا إلى عمل سابق لكاسيودوروس، لكنه يستشهد أيضًا بمواد من خمسة عشر مصدرًا آخر، بما فيهم كاتب آخر غير معروف يدعى أبلابيوس. يتفق عديد من المؤرخين أن رواية يوردانس حول أصول القوط مستمدة جزئيًا من التقليد القبلي القوطي وتحمل دقة في بعض من تفاصيلها.[4][5]
وفقًا ليوردانس، نشأ القوط في جزيرة تدعى سكاندزا (اسكندنافيا)، حيث هاجروا منها بحرًا إلى منطقة تدعى غوثيسكانزا تحت حكم ملكهم بيريغ. لا يتفق المؤرخون على صحة ودقة هذه الرواية. يوافق معظم المؤرخين على أن الهجرة القوطية من اسكندنافيا يستدل عليها فيها التاريخ الأثري، لكن الدليل ليس واضحًا تمامًا. عوضًا عن هجرة جماعية واحدة لشعب بكامله، يروج العلماء لافتراض كون الأصول الاسكندنافية عملية هجرة تدريجية خلال القرنين الأول قبل الميلاد والأول ميلادية، والتي ربما سبقتها اتصالات طويلة وربما محدودة بين نخب من العشائر في اسكندنافيا.[6][7]
ذكر وجه الشبه بين اسم القوط، وبعض الأسماء السويدية وقبيلتي غيتس وغوتس، كدليل على رجوع القوط بأصولهم إلى جزيرة غوتلاند. ربما تحدر القوط والغيتس والغاتس جميعًا من مجتمع قديم من البحارة الذين نشطوا على ضفتي البلطيق. ذكرت أوجه الشبه والاختلاف بين اللغة القوطية واللغات الاسكندينافية (خصوصًا الغوتنيش) دليًلا مع وضد الأصل الاسكندنافي على السواء.[8]
يحدد المؤرخون منطقة غوثايسكاندزا في المنطقة التي امتدت فيها حضارة ويلبارك. نشأت هذه الحضارة في فيستولا السفلى وعلى طول ساحل بوميرانيا في القرن الأول ميلادية، لتحل محل حضارة أوكسيفيا السابقة. تميزت تلك الحضارة عن أوكسيفيا بصفة رئيسية من خلال ممارسات الدفن التي اتبعتها، ووجود دوائر الحجر. ارتبطت هذه المنطقة ارتباطًا وثيقًا باسكندنافيا منذ العصر البرونزي الشمالي وحضارة لوساتيان. يعتقد بكون سكانها في فترة ويلبارك شعوبًا جرمانية، كالقوط والروجي. يذكر يوردانس أن القوط، بعد وقت قصير من استيطانهم غوثايسكاندزا، استولوا على أراضي الروجي.[9][10]
التاريخ المبكر
يعتقد عمومًا بكون المصادر اليونانية-الرومانية أول من ذكر القوط في القرن الأول تحت مسمى «غوتون». إن المعادلة بين الغوتون والقوط الحاليين موضع خلاف من قبل مؤرخين عديدين.[11]
نحو سنة 15 ميلادية، يذكر سترابو البوتون، ولوجي، والسمنونيين كجزء من مجموعة كبيرة من الشعوب التي خضعت لسيطرة الملك الماركوماني ماربود. البوتون عمومًا يقابلهم الغوتون. في بعض الأحيان، يعتبر اللوجي نفسهم الوندال (الفندال)، الذين كانوا بالتأكيد على صلة وثيقة بهم. تربط الفندال وحضارة برزيورسك، التي تقع إلى الجنوب من حضارة ويلبارك، صلة وثيقة. يرى وولفرام أن الغوتون تعاملوا مع اللوجي والفاندال في القرن الأول الميلادي.[12]
في سنة 77 ميلادية، ذكر بلينيوس الأكبر الغوتون كإحدى الشعوب الجرمانية. يذكر أن الغوتون، والبرغنديين، وفاريني، وكاريني ينتمون إلى وانديلي. يصنف بلينيوس الوانديلي أحد «الأعراق الجرمانية»، إلى جانب الإنغافونز الساحليين، والإيستافونز، والأرمينيين، والباستارنيين. كتب بلينيوس في فصل سابق أن الرحالة بيثياس في القرن الرابع التقى بشعب يدعى «غويون». قارب بعض الباحثين بين الغويون والغوتون، لكن صحة رواية بيثياس غير مؤكدة.[13]
يذكر تاسيتوس في عمله جرمانيا في نحو سنة 98 أن القوطيين جيرانهم من الروجي والليموفي شعوب جرمانية عملت دروعًا وسيوفًا قصيرة، وعاشوا قرب المحيط، ووراء الوندال. وصفهم أنهم «يحكمهم ملك، أكثر صرامة بقليل من القبائل الألمانية الأخرى». في عمل بارز آخر، «الحوليات»، كتب تاسيتوس أن الغوتون ساندوا كاتوالدا، وهو شاب ماركوميني منفي، على الإطاحة بالملك ماربود. قبل ذلك، من المحتمل كون الغوتون والوندال السواء من رعايا الماركوماني.[14]
في وقت ما بعد استيطان غوثايسكاندزا، يذكر يوردانس أن القوط هزموا الوندال المجاورين. يعتقد ولفرام أن الغوتون حرروا أنفسهم من سيطرة الوندال في بداية القرن الثاني بعد الميلاد.[15]
يذكر بطليموس في كتابه «الجغرافيا» من نحو سنة 150، أن الغوتون عاشوا شرق فيستولا في سارماتيا، بين فينيتي وفيني. في فصل سابق ذكر أن الغوتاي عاشوا في سكانديا الجنوبية. ربما يكون الغوتاي هم نفسهم الغوتي الذين ذكرهم بروكوبيوس. يرى وولفرام وجود علاقات وثيقة بين الغيتون والغوتاي، وربما كانوا كلاهما من أصل مشترك.[16]
التحرك باتجاه البحر الأسود
بدءًا من منتصف القرن الثاني، تحولت حضارة ويلبارك إلى الجنوب الشرقي نحو البحر الأسود. يعتقد حينها أن حضارة ويلبارك استبعدت حضارة برزيورسك واستوعبت شعبها جزئيًا. كان ذلك جزءًا من حركة أوسع لقبائل جرمانية شرقية باتجاه الجنوب، والتي ربما نتجت عن النمو السكاني الهائل. نتيجة لذلك، دفعت قبائل أخرى بنحو الإمبراطورية الرومانية، مما ساهم في بداية الحروب الماركومانية. بحلول سنة 200، بدأ قوط ويلبارك بالتجند في صفوف الجيش الروماني.[17]
بحسب جوردان، دخل القوط إلى أويوم، التي كانت جزءًا من سكيثيا، تحت حكم الملك فليمر، حيث هزموا السبالي. تتطابق رواية الهجرة هذه جزئيًا مع الدلائل الأثرية. يعني الاسم سبالي «العمالقة» بالسلافية، وبالتالي لم يكن السبالي سلافيين على الأرجح. في أوائل القرن الثالث بعد الميلاد، كانت منطقة سكيثيا الغربية مأهولة بحضارة زاروبنستي الزراعية والسارماتيين البداوى. قبل السارماتيين، استقر الباستارنيون في المنطقة، ويعتقد أنهم قاموا بهجرة مماثلة لهجرة القوط في القرن الثالث قبل الميلاد. يرى بيتر هيذر أن رواية فيلمر مستمدة جزئيًا على الأقل من الروايات الشفهية القوطية. يشير واقع أن القوط المتوسعين حافظوا على لغتهم القوطية خلال هجراتهم إلى أن حركتهم شملت عددًا كبيرًا من الناس إلى حد ما.[18]
بحلول منتصف القرن الثالث بعد الميلاد، كانت حضارة ويلبارك قد ساهمت بتأسيس حضاري تشيرنياخوف في بالسلافية. امتدت هذه الثقافة المتجانسة من الدانوب في الغرب إلى الدون في الشرق. يعتقد أن القوط والجماعات الجرمانية الأخرى مثل هاليروليين سيطروا عليها. شملت أيضًا عناصر إيرانية وداقية ورومانية وربما سلافية.[19]
غزوات القرن الثالث والإمبراطورية الرومانية
إن الغزو الأول للإمبراطورية الرومانية الذي يمكن نسبه إلى القوط هو سلخ هيستريا سنة 238. أشار الذكر الأول للقوط في القرن الثالث باسم السكيثيين، إذ كانت تلك المنطقة، المدعوة سكيثيا، مأهولة تاريخيًا بشعب غير ذي صلة بهذا الاسم. ذكر اسم القوط لأول مرة في القرن الثالث ميلادي. لا يماثل المؤلفون القدماء بين القوط والغوتون السابقين. ليس للفقهاء وعلماء اللغة شك في ارتباط الاسمين ببعضهما البعض.[20]
سرعان ما تبنى القوط على السهوب البنطسية عدة عادات بدوية من السارماتيين. برعوا في الفروسية، والرماية، وتدريب الصقور، وكانوا أيضا خبراء زراعيين بارعين وبحارة. يصف جي. بي. بيري الفترة القوطية بكونها «الحلقة الوحيدة غير البدوية في تاريخ السهوب». يقارن ويليام إتش. مكنيل هجرة القوط بهجرة المغول الأوائل، الذين هاجروا جنوبًا من الغابات وجاؤوا للسيطرة على سهوب أوراسيا الشرقية في ذات الوقت تقريبًا للقوط في الغرب. منذ أربعينيات القرن الثالث على الأقل، جرى تجنيد القوط بشكل كثيف في الجيش الروماني للقتال في الحروب الرومانية-الفارسية، وبرزت مشاركتهم خصوصًا في معركة ميسيتش سنة 244. ثمة نقش على كعبة زرادشت، مكتوب باللغات الفرثية والفارسية واليونانية، يحيي ذكرى الانتصار الفارسي على الرومان والقوات القوطية مذكورة على النحو الآتي «Gwt W Grmany xštr»، ربما كانت إشارة مميزة لكل من الحصون القوطية والحصون الجرمانية.
مراجع
- ^ Bennett، William H (1980). An Introduction to the Gothic Language. ص. 27.
- ^ "Visigothic Society". Magyar Elektonikus Könyvtár. مؤرشف من الأصل في 2018-02-01.
- ^ Söderberg, Werner. (1896). "Nicolaus Ragvaldis tal i Basel 1434", in Samlaren, pp. 187–95. نسخة محفوظة 13 يونيو 2017 على موقع واي باك مشين.
- ^ Fulk 2018، صفحات 21–22. "How the Goths arrived at the Black Sea, and where they originated, are matters of debate. The usual assumption, and the one still credited by the considerable majority of scholars, has been that the account given in the sixth-century Getica of Jordanes is trustworthy at least in general outline: according to this account, the Goths migrated, perhaps about 100 BCE, from Scandinavia (Scandza) to the banks of the Vistula. Their area of settlement on the southern coast of the Baltic is called by Jordanes Gothiscandza... In accordance with the account of Jordanes, the Goths have usually been identified with the Gutones first mentioned by Pliny the Elder ca. 65 CE as living on the shore of (apparently) the Baltic Sea. On this reasoning the Goths have also commonly been associated with the island of Gotland and with the region of south-central Sweden called Götaland (named after the ON Gautar, OE Gēatas), from which areas they are assumed to have migrated originally... In more recent times the account of Jordanes, recorded so many centuries after the purported departure from Scandinavia, has been called into question, in part on archaeological grounds... [T]he presence of Goths in Scandinavia is not to be doubted... At all events, the name of the Goths is so common in place-names in Sweden – and place-names are often among the most archaic evidence – that it is difficult to believe that the Gothic presence in Scandinavia could have been a late development."
- ^ Robinson 2005، صفحة 36. "Greek and Roman sources of the first and second centuries A.D. are the earliest written evidence we have for the Goths, under the names Guthones, Gothones, and Gothi. The sources agree in placing these people along the Vistula river, although whether they were on the coast or a bit inland is unclear. Also not totally clear is the connection between these people and other tribal groupings of similar names found at that time and later in parts of south central Sweden (now Västergötland and Östergötland) and on the island of Gotland. If the legend recorded by the sixth-century Gothic historian Jordanes is accurate, the Goths came to the mouth of the Vistula from across the sea, displacing a number of Germanic tribes who were there before them, including the Vandals. The weight of scholarship appears to support this story, with (mainland) Götland being seen as the likely point of origin, and the early first century B.C. as the likely time. Owing perhaps partially to population pressure, a large number of Goths subsequently left the Vistula in the mid-second century A.D. Around 170 they reached an area north of the Black Sea, where they settled between the Don and the Dniester rivers."
- ^ Wolfram 1990، صفحات 39–40. "[I]t is entirely possible that there was a Gutic immigration. This Gutic immigration would be reflected in the name Berig... [I]t is possible that a group of Gutae, which the Gothic memoria identified with King Berig and his followers, left Scandinavia long before the Amali and contributed to the ethnogenesis of the Gutones in East Pomerania-Masovia."
- ^ Liebeschuetz 2015، صفحات xxv, 106–08. "It is likely that they also had songs about the migration of the Goths from the isle of Scandza (Scandinavia)... [T]he Scandinavian origin cannot be disproved. The shared name certainly suggests some kind of link."
- ^ Kazanski 1991، صفحات 15–18. "R. Wolagiewicz who has studied the chronology of the Gothic kings provided by Jordanes, rightly estimates, in our opinion, that Berig, the king that led the Goths to the southern coast of the Baltic Sea, would have lived at this time… Wolagiewicz' point of view requires some remarks, though. First of all, why did the first Scandinavian settlers seem so few? Would the first Gothic migration not have been that of a people or of a big tribe, but of a more restricted group? That is also what Jordanes seems to tell us, since he reports that the Goths arrived from Scandinavia on only three ships. How can we then justify that this author attached enough importance to this migration that he mentioned it several times? The political role played by these new arrivals, and the presence among them of their king Berig are without a doubt significant for this. Polish historian J. Kolendo has interpreted the history of the Goths as that of the Gothic royal dynasty of the Amales that would reign until the VIth c. and of which Berig was the first king. Taking into account the archaeological data that we have just mentioned, this hypothesis seems likely to us. We can suppose that the king of the Goths and his closest followers, once they had disembarked on the continent, began to dominate the local tribes. We know similar cases in the history of ancient peoples that held in high regard the kings that descended from illustrious families, often made sacred... [O]nly the royal dynasty and their followers could have had a Scandinavian origin. We add also that the Scandinavian parallels of the sites in Pomerania are, as we have seen, very scattered. We also find them in the south of Norway as well as in Sweden and on the islands of the Baltic Sea. This observation could show the heterogeneous origins of the migrants."
- ^ Kokowski 2011، صفحات 72–73.
- ^ Heather 2010، صفحة 103.
- ^ Goffart 1980، صفحات 21–22. "We hear, for instance, that "the true history of the Goths" – true, that is, as distinct from legendary "but not inadmissible" – "begins with Pliny, who, toward A.D. 75, cited the Gutones, and Tacitus, who, towards 98, knows the Gothones." Prodigies of ingenuity are performed in creating arguments that sometimes are wholly circular. By normal standards of source analysis, the early Gothic migrations in Jordanes are about as historical as the tales of Genesis and Exodus; to champion their simple equivalence to history is a task for religious fundamentalists."
- ^ Christensen 2002، صفحة 343. "They might possibly have been mentioned in some geographical and ethnographical works dating from the first century AD, but the similarity in the names is not significant, and no antique author later considers them to be the forefathers of the Goths... No one sees this connection, even during the Great Migration. Chronologically it would, of course, be quite a realistic possibility..."
- ^ Kulikowski 2006، صفحة 212. "The Gotones mentioned in Tacitus, Germania 44.1 and located somewhere in what is now modern Poland would not be regarded as Goths if Jordanes' migration stories did not exist."
- ^ Halsall 2007، صفحات 52, 120. "Although the Scythians were long gone, their name was still applied to the inhabitants of these regions: Taifals and Sarmatians, Alans and Goths... Also significant is the fact that, as mentioned, when not using 'Scythian', these writers used Getae as a synonym for Goths, rather than (as modern historians do) associating the Goths with the Gutones, who had a respectable pedigree going back to Pliny at least... We might note the similarity of names such as Eudoses and Jutes, or Gutones and Goths but how much continuity does this imply, especially when the different names are recorded in different geographical locations?"
- ^ Pliny 1855, Book IV, Chap. 28 نسخة محفوظة 24 September 2015 على موقع واي باك مشين.
- ^ Christensen 2002، صفحات 34–35.
- ^ Heather 2010، صفحة 106.
- ^ Jordanes 1908، صفحة iv (28).
- ^ Wolfram 1990، صفحة 42.
- ^ Heather 2010، صفحات 130–31.