أَضْحَى التَّنَائِي بَدِيْـلاً مِـنْ تَدانِيْنـا | | وَنَابَ عَـنْ طِيْـبِ لُقْيَانَـا تَجَافِيْنَـا |
ألا وقد حانَ صُبـح البَيْـنِ صَبَّحنـا | | حَيـنٌ فقـام بنـا للحَيـن ناعِينـا |
مَـن مُبلـغ المُبْلِسينـا بانتزاحِهـم | | حُزنًا مـع الدهـر لا يَبلـى ويُبلينـا |
أن الزمان الـذي مـا زال يُضحكنـا | | أنسًـا بقربهـم قـد عـاد يُبكيـنـا |
غِيظَ العِدى من تساقينا الهوى فدعوا | | بـأن نَغُـصَّ فقـال الدهـر آمينـا |
فانحلَّ مـا كـان معقـودًا بأنفسنـا | | وانبتَّ مـا كـان موصـولاً بأيدينـا |
وقد نكون وما يخشى تفرقنا | | فاليوم نحن وما يرجى تلاقينا |
يا لَيْتَ شِعْرِي وَلَم نُعتِب أَعادِيَكُم | | هَل نالَ حَظًّا مِنَ العُتْبَى أَعَادِينَا |
لم نعتقـد بعدكـم إلا الوفـاءَ لكـم | | رأيًـا ولـم نتقلـد غـيـرَه ديـنـا |
ما حقنا أن تُقـروا عيـنَ ذي حسـد | | بنـا، ولا أن تسـروا كاشحًـا فينـا |
كنا نرى اليـأس تُسلينـا عوارضُـه | | وقـد يئسنـا فمـا لليـأس يُغرينـا |
بِنتـم وبنـا فمـا ابتلـت جوانحُنـا | | شوقًـا إليكـم ولا جفـت مآقيـنـا |
نكـاد حيـن تُناجيكـم ضمائـرُنـا | | يَقضي علينا الأسـى لـولا تأسِّينـا |
حالـت لفقدكـم أيامـنـا فَـغَـدَتْ | | سُودًا وكانـت بكـم بيضًـا ليالينـا |
إذ جانب العيش طَلْـقٌ مـن تألُّفنـا | | وموردُ اللهو صـافٍ مـن تصافينـا |
وإذ هَصَرْنا غُصون الوصـل دانيـة | | قطوفُهـا فجنينـا منـه مـا شِينـا |
ليسقِ عهدكم عهـد السـرور فمـا | | كنـتـم لأرواحـنـا إلا رياحيـنـا |
لا تحسبـوا نَأْيكـم عنـا يُغيِّـرنـا | | أن طالمـا غيَّـر النـأي المحبينـا |
والله مـا طلبـت أهواؤنـا بــدلاً | | منكم ولا انصرفـت عنكـم أمانينـا |
يا ساريَ البرقِ غادِ القصرَ فاسق به | | من كان صِرفَ الهوى والود يَسقينـا |
واسـأل هنـالك هـل عنَّـي تذكرنـا | | إلفًـا، تـذكـره أمـسـى يُعنِّيـنـا |
ويـا نسيـمَ الصِّبـا بلـغ تحيتنـا | | من لو على البعد حيًّا كـان يُحيينـا |
فهل أرى الدهـر يَقصينـا مُساعَفـةً | | مِنْهُ، وإنْ لم يكُنْ غبّاً تقاضِينَا |
ربيـب ملـك كــأن الله أنـشـأه | | مسكًا وقـدَّر إنشـاء الـورى طينـا |
أو صاغـه ورِقًـا محضًـا وتَوَّجَـه | | مِن ناصع التبـر إبداعًـا وتحسينـا |
إذا تَـــأَوَّد آدتـــه رفـاهـيَـة | | تُومُ العُقُـود وأَدْمَتـه البُـرى لِينـا |
كانت له الشمسُ ظِئْـرًا فـي أَكِلَّتِـه | | بـل مـا تَجَلَّـى لهـا إلا أحاييـنـا |
كأنما أثبتـت فـي صحـن وجنتـه | | زُهْـرُ الكواكـب تعويـذًا وتزييـنـا |
ما ضَرَّ أن لم نكـن أكفـاءَه شرفًـا | | وفـي المـودة كـافٍ مـن تَكَافينـا |
يا روضةً طالمـا أجْنَـتْ لَوَاحِظَنـا | | وردًا جلاه الصبـا غَضًّـا ونَسْرينـا |
ويـا حـيـاةً تَمَلَّيْـنـا بزهرتـهـا | | مُنًـى ضُرُوبًـا ولــذَّاتٍ أفانِيـنـا |
ويا نعيمًـا خَطَرْنـا مـن غَضَارتـه | | في وَشْي نُعمى سَحَبْنا ذَيْلَـه حِيـن |
لسنـا نُسَمِّيـك إجـلالاً وتَكْـرِمَـة | | وقـدرك المعتلـى عـن ذاك يُغنينـا |
إذا انفردتِ وما شُورِكْتِ فـي صفـةٍ | | فحسبنا الوصـف إيضاحًـا وتَبيينـا |
يـا جنـةَ الخلـد أُبدلنـا بسَلْسِلهـا | | والكوثر العـذب زَقُّومًـا وغِسلينـا |
كأننـا لـم نَبِـت والوصـل ثالثنـا | | والسعد قد غَضَّ من أجفان واشينـا |
سِرَّانِ في خاطـرِ الظَّلْمـاء يَكتُمُنـا | | حتى يكـاد لسـان الصبـح يُفشينـا |
لا غَرْو فِي أن ذكرنا الحزن حِينَ نَهَتْ | | عنه النُّهَى وتَركْنـا الصبـر ناسِينـا |
إذا قرأنا الأسى يـومَ النَّـوى سُـوَرًا | | مكتوبـة وأخذنـا الصبـر تَلْقِيـنـا |
أمَّـا هـواكِ فلـم نعـدل بمنهـلـه | | شِرْبًـا وإن كـان يروينـا فيُظمينـا |
لم نَجْفُ أفـق جمـال أنـت كوكبـه | | سالين عنـه ولـم نهجـره قالينـا |
ولا اختيـارًا تجنبنـاه عـن كَثَـبٍ | | لكـن عدتنـا علـى كـره عواديـن |
نأسـى عليـك إذا حُثَّـت مُشَعْشَعـةً | | فينـا الشَّمُـول وغنَّـانـا مُغَنِّيـنـا |
لا أَكْؤُسُ الراحِ تُبدى مـن شمائلنـا | | سِيمَا ارتيـاحٍ ولا الأوتـارُ تُلهينـا |
دُومِي على العهد، ما دُمْنا، مُحَافِظـةً | | فالحُرُّ مَـنْ دان إنصافًـا كمـا دِينَـا |
فما اسْتَعَضْنا خليـلاً مِنـك يَحْبسنـا | | ولا استفدنـا حبيبًـا عنـك يُثْنينـا |
ولو صَبَا نَحْوَنا مـن عُلْـوِ مَطْلَعِـه | | بدرُ الدُّجَى لم يكن حاشـاكِ يُصْبِينـا |
أَوْلِي وفـاءً وإن لـم تَبْذُلِـي صِلَـةً | | فالطيـفُ يُقْنِعُنـا والذِّكْـرُ يَكْفِيـنـا |
وفي الجوابِ متاعٌ لـو شفعـتِ بـه | | بِيْضَ الأيادي التي ما زلْـتِ تُولِينـا |
عليكِ مِنـا سـلامُ اللهِ ما بَقِيَـتْ | | صَبَابـةٌ بكِ نُخْفِيهـا فَتُخفيـنـا |