أمير المؤمنين | |||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|
مُحمَّد الأمين | |||||||
مُحمَّد بن هارون بن مُحمَّد بن عبد الله بن مُحمَّد بن علي بن عبد الله العبَّاسيُّ الهاشِميُّ القُرشيُّ | |||||||
تخطيط لاسم الخليفة محمد الأمين
| |||||||
معلومات شخصية | |||||||
الميلاد | شوَّال 170هـ / أبريل 787م الرصافة، بغداد، الخلافة العبَّاسيَّة ![]() |
||||||
الوفاة | 25 مُحرَّم 198هـ (25 سبتمبر 813م) (بالهجري: 27 سنة و3 أشهر) (بالميلادي: 26 سنة و5 أشهر) بغداد، الخلافة العبَّاسيَّة ![]() |
||||||
سبب الوفاة | قتل | ||||||
مكان الدفن | مقابر قريش، بغداد، العراق ![]() |
||||||
مواطنة | ![]() |
||||||
الكنية | أبو عبد الله • أبو موسى | ||||||
اللقب | الأمين | ||||||
العرق | عربي | ||||||
الديانة | مُسلمٌ سُنِّي | ||||||
الزوجة | الزوجات: لبانة بنت علي المحظيات: نظم • بذل • عريب المأمونية (للمزيد) |
||||||
الأولاد | موسى النَّاطق بالحق • عبد الله | ||||||
الأب | هارُون الرَّشيد | ||||||
الأم | زُبَيدة بنت جعفر الأكبر | ||||||
إخوة وأخوات | عبد الله المأمُون • القاسم المُؤتمن • المعتصم بالله (للمزيد) | ||||||
عائلة | بنو العباس | ||||||
منصب | |||||||
الخليفة العبَّاسي السادس | |||||||
الحياة العملية | |||||||
معلومات عامة | |||||||
الفترة | 3 جُمادى الآخرة 193–25 مُحرَّم 198هـ 24 مارس 809–25 سبتمبر 813م (4 سنوات و8 أشهر و21 يومًا) |
||||||
التتويج | 16 جُمادى الآخرة 193هـ (4 أبريل 809م) |
||||||
|
|||||||
ولي العهد العباسي | |||||||
|
|||||||
السلالة | بنو العبَّاس | ||||||
المهنة | كاتب، وخليفة المسلمين | ||||||
اللغات | العربية | ||||||
تعديل مصدري - تعديل ![]() |
أميرُ المُؤمِنين وخَليفَةُ المُسْلِمين الإمام أبُو عبد الله مُحمَّد الأمِين بن هارون الرَّشيد بن مُحمَّد المِهدي بن عبد الله المَنْصُور بن مُحمَّد بن علي بن عبد الله العبَّاسيُّ الهاشِميُّ القُرَشيُّ (شوَّال 170 – 25 مُحرَّم 198هـ / أبريل 787 – 25 سبتمبر 813م)، المَعرُوف باسمه ولقبه مُحمَّد الأمين أو الأمين، هو سادس خُلَفاء بني العَبَّاس، والخليفة الخامِس والعشرون في ترتيب الخُلَفاء عن النبي مُحمَّد. حكم الدَّولة العبَّاسية (3 جُمادى الآخرة 193 – 25 مُحرَّم 198هـ / 24 مارس 809 – 25 سبتمبر 813م)، ودام حكمه أربع سنين وثمانية أشهر وأحدًا وعشرين يومًا حتى مقتله.
نشأته
نسبه
هو مُحَمَّد الأمين بن هارون الرَّشيد بن مُحمَّد المهدي بن عبد الله المنصُور بن مُحمَّد بن علي بن عبد الله بن العبَّاس بن عبد المُطَّلِب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصي بن كِلاب بن مُرَّة بن كعب بن لؤي بن غالِب بن فهر بن مالك بن النَّضر بن كِنانة بن خُزَيمة بن مُدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
والده هو هارُون الرَّشيد، خامِس خُلفاء بني العبَّاس امتدَّ حُكمه ما بين (170 – 193هـ / 786 – 809م)، ويُعد عهده بداية العصرُ الذَّهبيُّ للإسلام، وأوج ازدهار وقُوَّة الخلافة العبَّاسية.
والدته هي زُبيدة بنت جعفر بن المنصور، ابنة عم الرشيد وحفيدة الخليفة المنصور، اشتُهرت بالعقل والحكمة والتديُّن، ولها تأثير كبير في البلاط العبَّاسي ودور في تقديم ابنها الأمين لولاية العهد.
ولادته
وُلد مُحمَّد بن هارُون الرَّشيد في الرَّصافة، شرقي مدينة السَّلام في شهر شوَّال سنة 170هـ / أبريل 787م.[1][2] ونشأ في كنف أبيه الخليفة هارون الرشيد ووالدته السيدة زُبيدة ذات النفوذ والمكانة العالية، وتميز بكونه هاشميًا قرشيًا خالصًا من جهة الأبوين، مما منحه لاحقًا دعمًا من البيت العبَّاسي وأعيان الهاشميين لتولي ولاية العهد، وهو ما حصل لاحقًا.[3]
صباه
نشأ الأمين وأخوه غير الشقيق عبد الله في كنف أبيهما الخليفة هارون الرشيد، وتلقيا معًا تعليمًا على يد أبرز علماء العصر مثل عَليّ بن حمزة الكِسائي.[4] ظهر تباينٌ واضح في ميول الأخوين وشخصيتيهما منذ الصغر، فقد عُرف الأمين بميله إلى بعض مظاهر الترف واللهو، بينما أظهر المأمون جديةً وانكبابًا على العلم ومجالسة العلماء. ويُضاف إلى ذلك أن المأمون، الذي وُصف بالذكاء والنُباهة منذ نعومة أظافره، نشأ يتيم الأم، إذ توفيت والدته مراجل في نفاسها به، وهو ما زاد من عطف أبيه الرَّشيد عليه وربما إيثاره له على سائر إخوته. وكثيرًا ما أظهر الرَّشيد ميلًا واضحًا وتفضيلًا لعبد الله لما لمسه فيه من ذكاء وحزم ونُضج فكري مبكر، حتى إنه قال فيه بعد أن وجده يطالع كتابًا: «الحمدُ لله الذي رزقني من يرى بعين قلبه، أكثر مما يرى بعين جسمه».[5][6] وأثنى الرشيد على صفات المأمون في موضع آخر قائلًا: «إني لأعرف في عبد الله حزم المنصور ونسك المهدي وعز نفس الهادي، ولو شئت أن أنسبه إلى الرابع لنسبته».[7]
أثار هذا الميل الواضح نحو المأمون، حفيظة والدة الأمين، السيدة زبيدة، فعاتبت زوجها الرَّشيد على ذلك، قائلة: «أنت تحب عبد الله أكثر من ابني». وفي يومٍ، أراد الرشيد أن يُبيّن لها الفرق بينهما عمليًا، فقال لها: «تريدين أن أعرفك الفرق بين محمد وبين عبد الله؟» فأجابت: «الأمر لك». فدعا الرشيد خادمين وأمر الأول قائلًا: «امض إلى محمد واجلس عنده وانبسط في الحديث ثم قل له في أثناء كلامك: يا سيدي إذا أفضت الخلافة إليك ماذا تصنع معي؟» وأمر الآخر: «امض إلى عبد الله واجلس عنده وتحدث معه وقل له في أثناء حديثك مثل هذا وأعد علي ما يكون في جوابه». عاد الخادم الأول من عند الأمين، فقال للرشيد بحضور زبيدة: «يا أمير المؤمنين دخلت على محمد وعنده جماعة من المطربين والمساخر والصفاعنة والمخانيث وهو يشرب وهم يتصافعون، ويتشاتمون وهو يضحك فجلست وتحدثت كما أمرتني ثم قلت له في أثناء كلامى: ياسيدى إن أفضت الخلافة إليك ما تصنع بي؟ فقال لي: أعطيك كذا وكذا ألف دينار وأقطعك الضيعة الفلانية وأفعل معك وأصنع».[6]
ثم جاء الخادم الآخر من عند المأمون، فقال للرشيد: «يا أمير المؤمنين دخلت على عبد الله فرأيت مجلسه مغتصًا بالفقهاء والشعراء والقراء وأصحاب الحديث وهو يفاوضهم فصبرت حتى تقوض المجلس ودنوت منه ودعوت له وقلت: يا سيدي أرى والله مخايل النجابة عليك وإني لأشم من أعطافك روائح الخلافة فإن أفضت إليك فماذا تصنع معي؟ فلما سمع هذا الكلام مني استشاط غضبًا وأخذ دواة كانت بين يديه فرماني بها وقال: بل يطيل الله بقاء أمير المؤمنين ويديم دولته ويمد في عمره ويجعلنا فداء. ويلك قد جئت تبشرني بموت أبي وتطلب مني عند ذلك مراعاتي لك وإحساني إليك؟ لا أرانا الله يومه وقدمنا قبله». فلمَّا سمع الرشيد وزبيدة جوابيهما، التفت الرشيد إلى زبيدة وقال: «أتلومينني على الميل إلى عبد الله أكثر من محمد؟ والله ثم والله لولا مراقبتي لك وإشفاقي على قلبك لخلعت محمدًا من العهد وقدمت عبد الله عليه».[8] وقيل إنه أضاف: «كيف ترين؟ ما أقدم ابنك إلا متابعة لرأيك، وتركا للحزم».[9]
ورغم هذا التفضيل القلبي والمُعلن أحيانًا من الرشيد للمأمون، فإن الواقع السياسي ومكانة السيدة زبيدة والعصبية للعنصر العربي والهاشمي حسمت الأمر لتقديم الأمين في ولاية العهد أولًا. ولم تذكر المصادر وجود جفوة ظاهرة بين الأخوين في تلك الفترة المبكرة، بل كانت ترتيبات ولاية العهد المعقدة هي التي أسست للخلاف العميق بينهما لاحقًا.[6]
تعليمه
حاز الأمين على حظ وافر من العلم والأدب، فقد تتلمذ على يد علماء كبار مثل الأصمعي والكسائي، وقرأ القرآن وتفقه في الدين وروى الشعر واللغة وعلم أيام الناس وأخبارهم.[10]
ولايته للعهد
الأمين وليًّا للعهد
رغم ولادة عبد الله في نفس الليلة التي بُويع فيها الرشيد بالخلافة سنة 170هـ / 784م، واستبشاره بولادته ونهاية محنته مع أخيه الخليفة موسى الهادي، لم يُسمِّ الرَّشيد وليًا لعهده حتى سنة 175هـ / 791م. يعود هذا التأخير غالبًا إلى حيرة الرشيد وتردده، فقد كان يميل إلى المأمون لما عرف عنه من ذكاء وحزم مبكر، ولكنه في الوقت نفسه، واجه ضغوطًا قوية من زوجته زبيدة والهاشميين لتقديم ابنها الأمين، ذي النسب الهاشمي الخالص من الأبوين.[3] أوعزت زبيدة أم الأمين لأخيها عيسى بن جعفر بالتأثير على البرامكة الوُزراء، بسبب ما لهم من نفوذ كبير على الرشيد. وجد هذا المسعى دعمًا قويًا من الفضل البرمكي، الذي عهد إليه الرشيد سابقًا بكفالة الأمين والإشراف على تربيته وتوجيهه. رأى الفضل في تقديم الأمين فرصة لتعزيز نفوذه المستقبلي، فتحمس له وبذل جهوده لإقناع الرشيد،[11] بل استغل ولايته على خراسان لإعلان البيعة للأمين مبكرًا، مُظهرًا الأمر كأنه محسوم، ففرّق الأموال وأجزل العطاء للجند والشعراء، لحشد الدعم وتثبيت الأمر الواقع.[11]
إشراك المأمون في ولاية العهد

لم يُخفِ الرشيد قلقه من تبعات هذا الاختيار الذي بدا له مخالفًا لقناعته بقدرات ابنيه، وظل ضميره معذبًا لسنواتٍ طويلة لشعوره بأنه أُكره على تقديم الأمين تحت تأثير الضغوط السياسيَّة والعائليَّة. عبّر عن هذا القلق في مناسبات عدة، منها ما يُروى عن حديثه مع وزيره ومستشاره يحيى البرمكي في ليلةٍ كان يبدو فيها شديد الأرق، حيث استعرض تاريخ الفتن التي أعقبت وفاة الخلفاء السابقين، وأبدى خشيته من تكرارها بسبب طباع الأمين التي رآها ميلاً للهوى والتبذير ومشاركة النساء في الرأي، مقارنةً بما رآه في المأمون من رجاحة عقل وحسن سياسة. وبعد مناجاة ومناظرة طويلة بين الرشيد ويحيى البرمكي في تلك الليلة، اتفقا على حلٍ وسط يقضي بإشراك المأمون في ولاية العهد ليكون الخليفة بعد الأمين، وهو ما ارتاح له الرشيد لاحقًا.[12]
بعد نحو 15 عامًا من تولية الأمين ولاية العهد، وتحديدًا في سنة 182هـ / 799م، عقد الرشيد البيعة لابنه عبد الله، ولقَّبه المأمون، ليكون ولي العهد الثاني بعد الأمين. وعُمر المأمون ثلاثة عشر عامًا. وليضمن له موقعًا قويًا، ولَّاهُ خراسان وجميع الولايات الشرقيَّة حتى همذان، ومنحه سلطات واسعة عليها، وجعله تحت إشراف ورعاية جعفر بن يحيى البرمكي.[13] وبعد فترة وجيزة، وتحت ضغوط مماثلة على ما يبدو، أضاف الرشيد ابنه الثالث القاسم إلى ولاية العهد ولقبه المؤتمن، على أن يكون أمره بيد المأمون بعد توليه الخلافة، إن شاء أبقاه، وإن شاء خلعه، ثم ولَّى المُؤتمن منطقة الجزيرة والثغور. وبهذا أرسى الرشيد ترتيبًا ثلاثيًا لولاية العهد، وقسّم إدارة أقاليم الدولة الرئيسية بين أبنائه الثلاثة وهم لا يزالون فتيانًا صغارًا.[14]
وثيقة العهود بين الأخوين في مكة

أراد الرشيد وضع ضماناتٍ قوية لهذا الترتيب المُعقد،ورأى إلزام ابنيه الأمين والمأمون باحترام ما قُرر لهما. فحجَّ بهما سنة 186هـ / 803م، ومعه كبار رجال الدولة من العبَّاسيين والقادة والفقهاء والقضاة. وبعد أداء المناسك في مكَّة، أمر الرشيد بكتابة وثيقتين مفصلتين تتضمنان شروط ولاية العهد وتقسيم الدولة والنفوذ بين الأمين والمأمون (مع ذكر المؤتمن). أكدت الوثائق على حق الأمين في الخلافة أولاً، ثم المأمون ثانيًا، ثم المؤتمن (بشرط موافقة المأمون). والأهم من ذلك، أنها فصلت بشكل دقيق حدود سلطة كل منهما، فللأمين العراق والشَّام والمغرب، وللمأمون خُراسان وكامل المشرق بثغوره وكوره وجنده وخراجه وبيوت أمواله وصدقاته وبريده، مع استقلال شبه تام في ولايته، وأضاف أنه لا يحق للأمين التدخل فيه أو عزل عمال المأمون أو نقض عهوده. وفي المقابل، أوجبت العهود على المأمون السمع والطاعة للأمين كخليفة ما دام الأمين ملتزمًا بالشروط.[15][16]
أخذ الرشيد أشد الأيمان والمواثيق على ابنيه للالتزام بهذه الشروط، وأشهد على ذلك جميع الحاضرين، ثم أمر بتعليق نسختين من هذه الوثيقة في جوف الكعبة، لعلّ قدسية المكان تمنع من نقضها. ومع ذلك، نظر عامَّةُ الناس والأعيان لهذا الإجراء بعين التشاؤم، ورأوا فيه تأجيجًا للصراع المستقبلي بدلًا من حسمه، إذ أرسى هذا الترتيب أساسًا لتقسيم فعلي للسلطة ومصدرًا محتملًا للنزاع المستقبلي، وهو ما أثار استغراب بعض المؤرخين مثل ابن الأثير الذي علَّق على قرار الرشيد قائلًا: «وهذا من العجائب، فإن الرشيد قد رأى ما صنع أبوه وجده المنصور بعيسى بن موسی، حتى خلع نفسه من ولاية العهد، وما صنع أخوه الهادي ليخلع نفسه من العهد، فلو لم يعاجله الموت لخلعه، ثم هو يبايع للمأمون بعد الأمين، وحبك الشيء يعمي ويصم».[13]
تعزيز نفوذ المأمون في المشرق

في خطوةٍ لاحقةٍ زادت من تعقيد ترتيبات ولاية العهد وأثارت قلق أنصار الأمين في بغداد، توجَّه الخليفة الرَّشيد بنفسه نحو الرَّي سنة 189هـ / 805م، لمعالجة المظالم والشكاوى المتزايدة من أهل خُراسان على واليها علي بن عيسى بن ماهان، والذي اتُهم بسوء السيرة والظلم والتجبر، بل وقيل إنه يُضمر الخلاف للرشيد. اصطحب الرشيد معه في هذه الرحلة ابنيه المأمون والقاسم المؤتمن دون الأمين المُقيم في بغداد. جمع الرشيد القضاة والشهود وأشهدهم بشكلٍ رسميّ وعلنيّ في الرَّي، وقبل استقدام ابن ماهان إليه، أن «جميع ما في هذا الجيش من الأموال، والخزائن، والسلاح، والكراع، وغير ذلك للمأمون وأنه ليس لأحدٍ منها شيء».[17] شكّل هذا الإقرار والتصريح العلني تأكيدًا خطيرًا على الاستقلالية شبه التامة للمأمون بسلطته وموارده في المشرق، مما أضعف نظريًا من السلطة المركزية للخليفة المستقبلي (الأمين) وجعل ولاية المأمون على خراسان أشبه بدولة داخل الدولة.[18] ورغم أن ابن ماهان قدم على الرشيد بهدايا عظيمة نافيًا تهمة الخلاف ومُظهرًا الطاعة، وأعاده الرشيد مؤقتًا إلى ولايته، إلا أنه سرعان ما عزله مجددًا بعد ثبوت سوء سيرته، وولى مكانه هرثمة بن أعين.[19][20]
السنوات الأخيرة قبيل وفاة الرشيد

بينما كان الرَّشيد منهمكًا في الاستعداد لحملة جهادية على الروم في سنة 190هـ / 806م، استخلف ابنه المأمون مؤقتًا على الرقة وفوّض إليه بعض الأمور،[21] وفي هذه الفترة توطدت علاقة المأمون بالفضل بن سهل السرخسي، الذي أسلم على يده وأصبح من أقرب مستشاريه، وكان للفضل لاحقًا دورٌ محوري في دعم المأمون لمواجهة الأمين.[21][22] جاءت نهاية عهد الرشيد مع تفاقم الأوضاع في خراسان، حيث ثار رافع بن الليث في سمرقند سنة 190هـ / 806م، وامتدت ثورته وتفاقم شرُّه، مما استدعى تدخل الخليفة بنفسه. قرر الرَّشيد المسير إلى خراسان سنة 192هـ / 808م لإخماد الثورة، رغم مرضه الذي كان قد ألمّ به. استخلف الرشيد على عاصمته بغداد ابنه وولي عهده الأول الأمين، بينما استخلف ابنه الآخر القاسم المؤتمن على الرَّقَّة.[23]
في البداية أمر الرشيد المأمون بالبقاء في بغداد وعدم مرافقته، إلا أن المأمون، وبتحريضٍ من الفضل بن سهل الذي رأى في عدم ذهاب المأمون إلى خراسان تخوُّفًا عليه من الأمين وأنصاره، قائلًا: «لست تدري ما يحدث بالرشيد، وخراسان ولايتك ومحمد الأمين المقدم عليك، وإن أحسن ما يصنع بك أن يخلعك، وهو ابن زبيدة وأخواله بنو هاشم، وزبيدة وأموالها ردءٌ له، فاطلب إلى أمير المؤمنين أن تسير معه». ألح المأمون على أبيه ليأخذه معه، متعللًا برغبته في خدمته أثناء مرضه، فوافق الرشيد.[23] سار الرشيد بجيشه ومعه المأمون، تاركًا الأمين خليفةً له في بغداد. وعند وصولهم إلى جرجان في صفر 193هـ / ديسمبر 808م، اشتد المرض بالرشيد، فوجَّه ابنه المأمون مع جزء من الجيش للتوجه إلى مرو ليكون قاعدة له في خراسان، بينما أكمل هو طريقه نحو طوس. عجز الرشيد في النهاية عن الحركة وتُوفي في طوس، في 3 جُمادى الآخرة 193هـ / 24 مارس 809م، لتنتقل الخلافة رسميًا إلى الأمين في بغداد، بينما كان المأمون في مرو يترأس ولاية الشرق بموجب العهود والمواثيق التي وضعها الرشيد.[24][25]
خلافة الأمين
أيها الناس وخصوصًا بني العباس إن المنون بمرصد لذوي الأنفاس، حتمٌ من الله، لا يدفع حلوله، ولا ينكر نزوله، فارتجعوا قلوبكم من الحزن على الماضي إلى السرور بالباقي تحوزوا ثواب الصابرين، وتعطوا أجور الشاكرين |
—خطبة الأمين في جامع الرصافة[26] |
بعد وفاة الرَّشيد في طوس، انطلقت رسائل البريد على وجه السرعة حاملةً النبأ العظيم إلى بغداد. تلقَّف سلام أبو مسلم، نائب صاحب البريد، رسالة مولاه حمّويه من خراسان، ليسرع هو إلى الأمين، فكان أول من يواجهه بالخطب الجلل، معزيًا بوفاة الأب، ومهنئًا بارتقاء الابن سُدَّة الخلافة. ثم قدم رجاء الخادم من عند صالح بن الرَّشيد مؤكدًا الخبر رسميًا في يوم الأربعاء، 16 جمادى الآخرة سنة 193هـ / 4 أبريل 809م، حاملًا معه رموز المُلك وشارات الخلافة: الخاتم والقضيب والبُردة. لكن الأمين لم يُعلن النبأ فورًا، بل كتمه لوقتٍ قصير، فيما كانت العاصمة بغداد تموجُ بالأقاويل والتساؤلات حول مصير الخليفة الغائب.[27][28] وهو ثاني خليفةٍ هاشميُّ الأبوين منذ الخليفة علي بن أبي طالب وابنه الحسن بن علي في العصر الرَّاشدي.[29][30]
انتقل الأمين من قصره بالخلد إلى قصر الخلافة في يوم الجمعة، فأمَّ الناس في الصَّلاة، ثم اعتلى المنبر، فنعى أباه الرشيد بصوتٍ مؤثر، وعزَّى نفسه والحاضرين، ووعد الناس خيرًا وأمنًا، وأصدر أمانه ليشمل الأبيض والأسود. تدافع كبار البيت العبَّاسي ورجال الدولة والخاصة والقادة لمبايعته تأكيدًا للولاء. ولتكتمل البيعة وتستقر أمورها، أناب الأمين عمَّ أبيه سُليمان بن أبي جعفر لأخذ بيعة من تبقى من القادة، وأمر السندي بن شاهك بتسجيل أسماء الجند والعامة وأخذ بيعتهم. لم يغفل الأمين عن أهمية تأمين جند العاصمة في هذه اللحظة المفصليَّة، فأصدر أمره على الفور بصرف عطاءٍ سخيٍّ غير مسبوق لجند مدينة السلام بلغ رزق أربعة وعشرين شهرًا دفعةً واحدة، مع إكرام ذوي المكانة الخاصة منهم بعطاءات إضافية.[27][28] بعد بيعة الأمين بيومٍ واحد، أمر ببناء ميدان فسيح حول قصر الخلافة، خُصص للعب الصوالجة واللهو، وقال أحد الشعراء في هذه المناسبة:[31]
اضطِّرابات حمص

شهدت مدينة حِمْص في ولاية الشَّام، اضطرابًا في سنة 194هـ / 809 أو 810م، إذ أظهر أهلها الخلاف على عاملهم إسحاق بن سليمان الذي ولَّاه الأمين عليهم، فاضطُر إسحاق لمغادرة المدينة وتوجَّه للإقامة في سلمية. وحين بلغ تفاقم الأمور الخليفة الأمين، عزل إسحاق، ووجَّه مكانه عبد الله بن سعيد الحرشي، وأرفده بعافية بن سليمان. لم يتوانَ الحرشي عن استخدام الشدة فور وصوله إلى حمص، فحبس عددًا من وجوه المدينة وأعيانها، وأضرم النار في نواحٍ منها لإرهاب أهلها. دفع ذلك الأهالي إلى طلب الأمان، فأمَّنهم الحرشي، فسكنت المدينة مؤقتًا. بيد أن الهدوء لم يدم طويلًا، إذ عاد أهلها للهيجان والاضطراب، فقابلهم الحرشي بمزيدٍ من الصرامة، وأمر بضرب أعناق عددٍ من زعمائهم، ليخمد بذلك حركتهم وأعاد للمدينة هدوءها بالقوة.[32]
الخلاف مع المأمون
نقض العهود الأولى مع المأمون وإعادة الجيش من خراسان
على الرغم من أن الرَّشيد أكَّد في الوثائق والعهود في مكَّة، وفي تصريحاته العلنية بمدينة الرَّي، على استقلالية المأمون بجيش خُراسان وخزائنها، فإن هذا الوضع كان على ما يبدو مقلقًا للأمين منذ البداية، وحين بلغ الأمين المُقيم في بغداد أنباء مرض أبيه الشديد في خراسان، بادر بإرسال بكر بن المعتمر في مهمة سرية إلى طوس لجذب قادة جيش خُراسان، ناقضًا بذلك أولى العهود مع المأمون. حمل بكر معه كتبًا من الأمين إلى قادة الجيش الكبار، وأخفاها بعناية فائقة في قوائم صناديق المطبخ المنقورة والمغطاة بجلود البقر، وأمره الأمين بألا يُظهرها لأحد حتى يتأكد من وفاة أبوه الرشيد، ولو كلفه ذلك حياته.[28][33]
وصل بكر بن المعتمر إلى طوس، فأثار أمر قدومه ريبة الرَّشيد، فاستدعاه الخليفة وسأله عن سبب مجيئه، فادعى بكر أنه جاء للإطمئنان على صحته ونقل أخباره للأمين. لم يقتنع الرشيد، وأمر بتفتيش أمتعته فلم يُعثر على شيء، ثم أمر بضربه وتعذيبه فلم يُقر بكر بشيء، فأمر الرشيد بحبسه وتقييده وأوعز إلى الفضل بن الربيع باستجوابه مجددًا وحتى قتله إن لم يعترف بسبب مجيئه الغريب. وبينما استعد الفضل لتنفيذ الأمر، ساءت حالة الرشيد واحتُضر، مما أشغل الفضل عن أمر ابن المعتمر حتى توفي الرشيد. بعد الوفاة، استدعى الفضل بن الربيع بكرًا وأعلمه بموت الخليفة وسأله عما لديه، فلما تيقن بكر من الخبر، أخرج الكُتُب السِّرِّيَّة التي حملها من الأمين. كانت هذه الكتب موجهة إلى صالح بن الرشيد وإلى الفضل بن الربيع نفسه، تأمرهم بتسيير العسكر بكل ما فيه من أموال وعتاد والعودة به إلى بغداد تحت إشراف وتصرف الفضل بن الربيع نفسه، وتضمنت الكُتُب تثبيت القادة في مناصبهم (كصاحب الشرطة والحرس والحجابة) لضمان ولائهم.[18][28] لم ينس الأمين إرسال كتابًا إلى أخيه المأمون مُعزيًّا له، ثم طلب منه بيعته ومن حوله، وثبَّتهُ في ولايته وعمله، وكتب إليه، قائلًا:
بعد خطاب الأمين، ذهب المأمون إلى دار الإمارة، فنعى الرَّشيد على المنبر، قائلًا: «أيها الناس أحسن الله عزاءنا وعزاءكم في الخليفة الماضي صلوات الله عليه وبارك لنا ولكم في خليفتكم الحادث مد الله في عمره»، وشق ثوبه ثم نزل، وأمر للناس بالعطايا، وبايع لأخوه مُحمَّد الأمين ثم لنفسه، قائلًا: «يا أهل خراسان جددوا البيعة لإمامكم الأمين» وأعطى الجند رزق اثني عشر شهرًا.[1][34]
رد فعل المأمون واستمرار الانقسام
بعد انكشاف أوامر الأمين السِّرِّيَّة التي أرسلها لقادة جيش خُراسان، تشاور الفضل بن الربيع مع قادة الجيش الكبار حول ما يجب فعله. وهنا برز دور ابن الربيع بشكل حاسم، إذ دفع باتجاه العودة إلى بغداد والالتفاف حول الخليفة الجديد الأمين، قائلًا مقولته التي عكست هذا التوجه، فاقدًا الثقة في أمر المأمون: «لا أدع ملكاً حاضراً لآخر ما أدري ما يكون من أمره». وجدت دعوته صدى لدى القادة والجند الذين رغب كثير منهم في العودة إلى أهلهم ووطنهم في العراق، فوافقوا على الرحيل نحو بغداد، ناكثين بذلك العهود والمواثيق التي أخذها عليهم الرشيد للمأمون ولترتيبات ولاية العهد، ومتجاهلين حقوق المأمون في الجيش والأموال التي كانت معه.[28][35]
بلغ المأمون في مرو خبر رحيل الجيش بأمواله وقادته إلى بغداد، فشعر بالصدمة والخيانة الكبيرة من أخيه الأمين ثم الجيش الذي من المُفترض التزامه على وصيَّة والدهما الرَّشيد. جمع المأمون من تبقى معه من قادة أبيه ومستشاريه، ومنهم عبد الله بن مالك الخزاعي ويحيى بن معاذ ومستشاره المُقرَّب الفضل بن سهل، واستشارهم في الأمر، فأشار عليه بعضهم بملاحقة الجيش العائد بقوة عسكرية صغيرة لردّهم، لكن ابن سهل عارض ذلك بشدة، محذرًا المأمون بأن هذه الخطوة ستجعله هديةً سهلة لأخيه في بغداد، وقال ناصحًا: «ولكن الرأي أن تكتب إليهم كتاباً وتوجه رسولاً يذكرهم البيعة، ويسألهم الوفاء، ويحذرهم الحنث وما فيه دنيا وآخرة». أخذ المأمون بمشورة ابن سهل، وأرسل سهل بن صاعد ونوفل الخادم برسالة إلى القادة العائدين. لحق الرسولان بالجيش في نيسابور، فقابلا الفضل بن الربيع الذي تملَّص من المسؤولية وعهده للرَّشيد، قائلًا: «إنما أنا واحد من الجند». أما عبد الرحمن بن جبلة الأنباري، فكان رده عنيفًا، إذ حاول طعن الرسول سهل بن صاعد برمحه وسبَّ المأمون وشتمه بالقبائح.[36]
عاد الرسولان إلى المأمون بالخبر اليقين عن نقض القوم للعهود وإصرارهم على العودة إلى بغداد، فجزع المأمون على خذلانهم. وهنا برز دور ابن سهل مجددًا في تثبيت المأمون وطمأنته، قائلًا: «أعداء استرحت منهم»، وذكّره بأن موقفه في خراسان قوي بين أخواله وأنصاره وأن البيعة له في أعناقهم، ثم وضع يده على صدره وقال: «اصبر وأنا أضمن لك الخلافة». وثق المأمون بالفضل بن سهل وقال له: «قد فعلت، وجعلت الأمر إليك، فقم به». حاول الفضل بن سهل استمالة من بقي من القادة الكبار مع المأمون مثل عبد الله بن مالك وغيره، فذكرهم بواجب الوفاء للمأمون، لكنهم واجهوه بالرفض أو التردد في البداية، فعاد للمأمون وأخبره، وحثه على انتهاج سياسة تستميل قلوب أهل خراسان وتُظهر جدارته بالحكم، فنصحه باستشارة الفقهاء، والعمل بالحق وإحياء السُّنَّة، وإظهار الزهد ولبس الصُّوف، ورد المظالم. أخذ المأمون بهذه النصائح، وخفّض ربع الخراج عن أهل خراسان، وقرَّب إليه الأبناء من أحفاد نُقباء العبَّاسيين، فكسب بذلك ودهم وتأييدهم بشكلٍ كبير، وقال أعيانها عن المأمون: «ابن أختنا، وابن عم نبينا». على أن المأمون لم يتمسك بإثارة الموضوع، وبادر إلى مُكاتبة أخيه الأمين بالسمع والطاعة والتعظيم، وبعث بالهدايا من الدواب والمسك وغير ذلك، مُقرًِّا بأنه نائبه فيها. ورد الأمين بإقرار المأمون على ما تحت يده من بلاد المشرق، وثبَّت القاسم المُؤتمن على ولاية الجزيرة الفراتية والثُّغور.[31][37][38]
تحريض الفضل بن الربيع للأمين على المأمون
ما إن عاد الفضل بن الرَّبيع مع جيش خراسان إلى العراق، ناكثًا العهد الذي أخذه عليه الرشيد للمأمون في طوس، حتى بدأ يفكر في عواقب أفعاله. أدرك الفضل أنه إن آلت الخلافة يومًا إلى المأمون فلن يُبقي عليه بعد ما فعل معه وأقنع الجيش المُرافق للرَّشيد بترك المأمون، ورأى الطريق الوحيد للنجاة تكمن في تقوية جانب الأمين وإضعاف المأمون. بدأ الفضل يسعى جاهدًا في إغراء الخليفة الأمين بخلع أخيه المأمون من ولاية العهد، وتصييرها لابنه الصغير موسى، ذو الخمسة أعوام. لم يكن هذا الأمر من رأي الأمين أو عزمه في بادئ الأمر، إذ تُشير الروايات إلى أنه نوى الوفاء لأخويه المأمون والقاسم بما شرطه لهما والدهما الرشيد من العهود والمواثيق، لكن ابن الرَّبيع لم يزل به، يُصغِّر في عينه شأن المأمون، ويُخوِّفه من قُوته واستقلاله بالشرق، وزيّن له خلع أخويه وتقديم ابنه، قائلًا: «ما تنتظر يا أمير المؤمنين بعبد الله والقاسم أخويك! فإن البيعة كانت لك متقدمة قبلهما، وإنما أُدخِلا فيها بعدك واحدًا بعد واحد»، ولإقناع الأمين أكثر، استعان ابن الرَّبيع بشخصيات أخرى ذات نفوذ في البلاط، مثل علي بن عيسى بن ماهان، والسندي بن شاهك وغيرهما ممن كانوا بحضرته، حتى نجحوا في إزالة الأمين عن رأيه الأول وتوجيهه نحو خلع أخويه.[39]
خطوات الأمين لتقويض عهد المأمون
في أثناء الأجواء المشحونة بين الطرفين، أرسل المأمون القائد المُخضرم هرثمة بن أعين لمُحاربة رافع بن الليث المُتمرَّد سابقًا على الخليفة الرَّاحل هارون الرَّشيد، وتمكن هرثمة من حصار سمرقند، وحين شعر ابن الليث بضعف موقفه، طلب الأمان من المأمون لما بلغه عن حُسن سيرته، فأمَّنه المأمون وأكرمه بعد تسليم نفسه لهرثمة بن أعين. قدم هرثمة نفسه على المأمون في مرو، فولاه المأمون قيادة حرسه تقديرًا لانتصاره، فكسب المأمون استقرار بلاد ما وراء النهر لتُصبح تحت سيطرته من جهة، وضم إلى جيشه قائدًا فذًّا كهرثمة. أنكر الأمين في بغداد هذه الإجراءات المأمونيَّة، ورأى فيها تعزيزًا لموقف أخيه، فبدأ بتدابير أخرى، إذ كتب إلى العباس بن عبد الله بن مالك الخزاعي، عامل المأمون على الرَّي، يأمره بإرسال غرائب غروس الري إليه مباشرةً، مُريدًا بذلك اختبار ولائه وتجاوز سلطة المأمون. امتثل العباس لأمر الخليفة وأرسل الغروس سرًا، فلما علم المأمون بذلك، وجه من فوره بعزل الخزاعي وثبّت عاملًا مواليًا له.[40]
فشل المراسلات بين الأخوين
قرر الأمين توجيه ضربة حاسمة لولاية عهد المأمون، فأرسل إليه وفدًا رسميًا سنة 195هـ / 811م يتكون من ثلاثة من كبار الشخصيات: العبَّاس بن موسى بن عيسى العبَّاسي، وصالح صاحب المصلى، ومحمد بن عيسى بن نهيك. حمل الوفد رسالة من الأمين تطالب المأمون بتقديم موسى بن الأمين (الذي لقبه الأمين بالنَّاطق بالحق) على نفسه في ولاية العهد، أو القدوم إلى بغداد. ولزيادة الضغط النفسي على المأمون ورسله، كتب الأمين إلى ولاته على طول الطريق (الرَّي، قومس، نيسابور، سرخس) باستقبال الوفد بمظاهر القُوَّة العسكريَّة والعدد والعتاد.[39]
وصل الرُّسُل إلى مرو، وقابلوا المأمون وأبلغوه رسالة أخيه، فرد المأمون بالرفض القاطع لهذا الطلب المخالف لعهود الرَّشيد. حاول العبَّاس بن موسى بن عيسى إقناع المأمون بالقبول، مقللًا من أهمية الأمر ومذكرًا بخلع جده عيسى بن موسى سابقًا من ولاية العهد، وأنه لم يضره ذلك، فنهره الفضل بن سهل بغضب، مذكرًا إياه بالفارق الكبير بين موقف جده الأسير والضعيف، وموقف المأمون القوي بين أخواله وأنصاره في خراسان. أدرك الفضل بن سهل ذكاء العباس بن موسى وطموحه، فاختلى به واستماله إلى جانب المأمون، ووعده بولاية الموسم (الحج) ومناصب أخرى، فبايع العباس سرًا للمأمون بالخلافة، وأصبح بعد ذلك عينًا له في بغداد. طلب الأمين من المأمون التنازل عن بعض كور خراسان والسماح بتعيين عامل بريد يتبع لبغداد مباشرة، غير أن المأمون أرسل إليه رسالةً رقيقة مُهذَّبة مُتمسكًا ومُذكِّرًا بالعهد المُبرم الذي قضى به والدهما الرَّشيد بأن خُراسان بما فيها للمأمون.[41][42]
احتدمت نبرة المراسلات بين الأخوين تدريجيًا مع تمسُّك كل طرف بموقفه وحججه، إذ سعى كلٌّ منهما لتبرير مطالبه، فالأمين يؤكد أحقيته بالمال والجيش كخليفة، والمأمون يتمسك بالعهود التي وضعها الرشيد. ومن أمثلة هذا التجاذب، أن المأمون أرسل يطلب من الأمين إرسال أمواله التي تركها في بغداد والرقة، والسماح لأهله مثل زوجته أم عيسى بنت الهادي، باللحاق به في خراسان. رفض الأمين مطالب المأمون، متذرعًا بحاجته لهذه الأموال لمصالح المُسلمين، وأنه الأقدر على رعاية أهل أخيه الموجودين في كنفه بالعاصمة. اتسمت رسائل المأمون في هذه الفترة بلين الأسلوب والتهذيب، محاولًا تجنب التصعيد أو يكون البادئ بالفرقة.[42]
بعد مداولات المأمون مع كبار مستشاريه، الذين انقسموا بين الترغيب في الاستجابة الجزئية لتجنب الصدام وبين التحذير من عواقب التنازل، أخذ المأمون برأي الأخوين الفضل والحسن ابني سهل، القاضي بالتمسُّك بالحقوق المنصوص عليها في العهود، وكتب إلى الأمين ردًا حازمًا يرفض فيه طلباته، مؤكدًا أن الرشيد قد أعطاه هذه الولايات والصلاحيات لسبب وجيه يتعلق بأمن الدولة وحفظ الثغور، وأن مطالبة الأمين بها تتجاوز حقه وتخالف ما اتفق عليه.[43] وفي هذه الفترة، بدأ الفضل بن سهل يُطلق لقب الإمام على المأمون، تمهيدًا للمطالبة بالخلافة له.[44] وقبل عودة وفد الأمين إلى بغداد، أوصاهم المأمون بشكلٍ صريح، قائلًا: «إن أمير المؤمنين - أي الأمين - كتب في أمر كتبت له في جوابه، فأبلغوه الكتاب، وأعلموه أني لا أزال على طاعته، حتى يضطرني بترك الحق الواجب إلى مخالفته». وفي هذه الأثناء، بدأ المأمون من جانبه باتخاذ إجراءات احترازية وتأمين ولايته، فوجَّه الحرس إلى حدود خراسان لمنع وصول أي رسل أو جواسيس من بغداد، وتفتيش الكتب، ومنع الغرباء من التجوُّل في البلاد دون إذن، لحصر أهل خراسان ومنع استمالتهم أو تخويفهم.[45] يُعلق المُؤرِّخ المصري محمد إلهامي على الأحداث الجارية: «ومنذ هذه اللحظة سيصير أمامنا مشهدان، مشهد في بغداد، ومشهد في مرو، على أن المأمون كان أحكم وأعقل وأفضل سياسة وكانت مناطقه هادئة، فيما عانى الأمين من قلاقل واضطرابات زاد من أثرها سياسته غير الحكيمة، كما أن المأمون قد رُزِق بقادة أقوياء بارعين مخلصين له على عكس رجال الأمين!».[46]
حرب الأمين والمأمون
خلع المأمون وبيعة موسى بن الأمين
بعد فشل المراسلات بين الأمين والمأمون في الوصول إلى حلول توفيقيَّة بينهما، وعودة رُسُل الأمين من مرو حاملة رفض المأمون القاطع لمطالب أخيه لتقليص نُفوذه، ألحَّ كُلًّا من الفضل بن الربيع، وعلي بن عيسى بن ماهان على الأمين بضرورة حسم الأمر بالقوة وخلع المأمون نهائيًا، بسبب رفض المأمون وإصراره على التمسك بالعهود. استجاب الأمين أخيرًا، فأعلن البيعة لابنه موسى الناطق بالحق وليًا للعهد في شهر صفر سنة 195هـ / نوفمبر أو ديسمبر 810م، وأمر بالكف عن ذكر المأمون والقاسم في الخطبة على جميع منابر الخلافة، ليتم خلعهما رسميًّا من ولاية العهد ناقضًا بذلك العهد المُبرم مع أبيه الرَّشيد، ثم نشطت في بغداد حملة إعلامية من أنصار الأمين لتبرير خطواته، فعملت الحملة على التشهير بالمأمون وإذاعة مساوئه، والترويج بأن عصيانه المزعوم هو نقضٌ لما أُبرم في وثيقة مكة، وبعث الأمين في طلب وثيقتي العهد من حجبة الكعبة، فلما جيء بهما إليه مزقهما وأبطلهما.[47][48] وعزل أخاهُ القاسم عن الجزيرة والثُّغور وأمره بالبقاء عنده تحت عينه في بغداد.[40]
وصلت أخبار خلع المأمون رسميًا وإسقاط اسمه من الخطبة إليه، بالإضافة إلى تقارير جواسيس المأمون في بغداد وما فعله مع أخوه ووليُّ العهد الثالث القاسم، مؤكدة عزم الأمين وحاشيته على خلعه بالقوة الومضي في حربه، حينها قال المأمون للفضل بن سهل: «هذه أمور قد كان الرأي أخبر عن عيبها، ثم هذه طوالع تخبر عن أواخرها، وكفانا أن نكون مع الحق، ولعل كرهاً يسوق خيراً»، وبدأ المأمون بإجراءات القطيعة النهائيَّة ردًا على أفعال أخيه، فقطع المراسلات مع الأمين، وأزال اسمه من مسكوكات العُملة وسائر مظاهر الخلافة في أماكن نُفُوذه، ليصبح الصدام العسكري وشيكًا بين الأخوين.[49]
باشر الفضل بن سهل بتجهيز الجيوش في خراسان، ووضع طاهر بن الحسين على رأس قوة عسكرية متقدمة في الرَّي. وووجه الأمين، القائد عصمة بن حماد بن سالم إلى همذان القريبة من الرَّي، بينما استمر الفضل بن الربيع وعلي بن عيسى في تحريض الأمين ودفعه نحو الحرب. حاول عبد الله بن خازم بن خزيمة التميمي ثني الأمين عن خلع المأمون ونكث العهود التي قطعها على نفسه أمام الرَّشيد، حتى أن إسماعيل بن صبيح أشار عليه بالتدرُّج والتمهُّل من خلال استقطاب الجند والقادة وإهداء المأمون بالألطاف والهدايا، فأجابه الأمين ساخرًا، قائلًا: «أنت مهذارٌ خطيب، ولست بذي رأي .. قم فالحق بمدادك وأقلامك». واتخذ المأمون لقب إمام المُؤمنين.[49]
لم يكتفِ الأمين بإسقاط المأمون من ولاية العهد فحسب، بل اتخذ إجراءات أخرى لزيادة الضغط، فأرسل إلى زوجة المأمون، ابنة عمِّه أم عيسى بنت الهادي المقيمة في بغداد يطالبها بجوهرًا كان عندها للمأمون، فلما امتنعت، لم يتردد الأمين في إرسال الشُّرطة لاقتحام بيتها وانتزاع منها ما أراد عنوة. وصلت هذه الأخبار إلى المأمون في مرو، فجمع قادته وأعلن أمامهم موقف الأمين الأخير، قائلًا ما معناه: «قد علمتم ما كان أبي شرط علي وعلى محمد وقد نكث ونقض العهود وأوجد السبيل إلى خلعه بنكثه ونقضه وتعرضه لأموالي وأسبابي وأعمالي، وتحريقه الشروط والعهود التي عليه، واستخفافه بحق الله فيما نكث من ذلك، واشتغاله بالخصيان». اتفق رأي قادة المأمون على مراسلة الأمين مرة أخيرة، فإن لم يرجع عن قراراته خلعوه نهائيًا وأسقطوا شرعيِّته لعدم التزامه بعهد الرَّشيد. وعلى الطرف الآخر في بغداد، جمع الأمين قادته وأعلن أمامهم نيته النهائية بشن الحرب على أخيه المأمون.[50] ذكر أحد شعراء بغداد عن التصعيد بين الأمين والمأمون، مُنتقدًا الأمين على الاستماع لحاشيته، قائلًا:[51]
تعيين ابن ماهان قائدا عاما لحرب المأمون
بعد وصول الأمور إلى القطيعة التامة وفشل آخر محاولات التوصل إلى تسوية مع المأمون، عزم الأمين في بغداد على حسم الصراع عسكريًا. ففي شهر ربيع الآخر سنة 195هـ / يناير 811م، وبعد شهرين من إعلان خلع المأمون رسميًا، بدأ الأمين بتجهيز جيش ضخم لغزو خراسان وإنهاء سُلطة المأمون نهائيًّا. أسند الأمين قيادة هذه الحملة الكبيرة إلى علي بن عيسى بن ماهان، الوالي السابق لخراسان الذي عزله الرَّشيد لسوء سيرته وظلمه لأهلها. لم يكتف الأمين بإسناد قيادة الجيش لابن ماهان، بل زاده وعيَّنهُ على كور الجبل كلها، من نهاوند وهمذان، وقم، وأصفهان، ليضمن سيطرته على المناطق التي سيمر بها الجيش ويوفر له الموارد اللازمة. وعهد إليه بحضانة ابنه ووليُّ عهده موسى الناطق بالحق، ثم أمر الأمين لابن ماهان بمائتي ألف دينار، ولولده بخمسين ألف دينار، وأغدق على الجند أموالًا طائلة، وجهزه بألفي سيف مُحلَّى وستة آلاف ثوب للخلع، ليُظهر مدى الأهمية التي يوليها لهذه الحملة.[52]
أثار اختيار ابن ماهان قائدًا للحملة استغراب الكثيرين، بل واعتبره البعض خطأً استراتيجيًا فادحًا من الأمين، فابن ماهان يحظى بكرهٍ شديد في خُراسان لسوء سيرته سابقًا وظلمه لهم، مما وحَّد صُفوف أهل خراسان على اختلافهم خلف المأمون للدفاع عن أنفسهم وبلادهم على من سامهم العذاب سابقًا. يُضاف إلى ذلك أن لابن ماهان ثأرًا شخصيًّا مع الخُراسانيين الذين تسبَّبوا في عزله أيَّام الرشيد، فكان يتوق لقهرهم والانتقام منهم. وبلغت ثقة ابن ماهان بنفسه وبجيشه حد الغرور، حتى إنه أخذ معه قيدًا من فِضَّة ليأسر به المأمون ويأتي به مقيدًا إلى بغداد. وتُروى قصة حول هذا القيد، إذ أن السيدة زبيدة بنت جعفر أم الخليفة الأمين، هي من أعطته القيد، لكنها أوصته في الوقت وصيَّةً طويلة بمُراعاة مقام المأمون وتكريمه ولا يقتسره أو يهينه مهما أبدى من عدوانيَّة نحوه، وأن يتذكر حق أبيه وأخيه، مما يشير إلى أملها في تسوية تحفظ ماء وجه الجميع، وإن كان انتصار ابن ماهان شبه مؤكد في نظرها.[53]
في جُمادى الآخرة سنة 195هـ / مارس 811م، خرج ابن ماهان من بغداد على رأس جيشه الضخم الذي قُدّر بأربعين ألف مقاتل، وقيل خمسين ألفًا، وشيّعه الأمين بنفسه حتى النهروان. صاحب خروج الجيش دعايةً واسعة وخطبٌ من أنصار الأمين تؤكد حقه في الخلافة وأسبقيته في البيعة، وتُشهر بالمأمون وتتهمه بنقض العهود والتلقُّب بالإمامة زورًا. ووُزِّعت بأوامر الأمين أموالًا طائلة على الجند عمومًا، وخُصص الخُراسانيُّون المنضوون في جيش الأمين بثلاثة ملايين درهم لضمان ولائهم. ومن حجم الجيش وتجهيزاته الضخمة، ساد معها الاعتقاد في بغداد بأن هزيمة المأمون ومن معه أمرٌ محتوم بلا شك.[53] أثناء مسيره، راسل ابن ماهان ملوك الدَّيلم وجبال طبرستان والمناطق المجاورة، ووعدهم بالعطايا والهدايا الثمينة كالتيجان والأسورة والسيوف المُحلاَّة بالذهب، طالبًا منهم قطع طرق الإمداد عن خُراسان ومنع وصول أي مدد إلى طاهر بن الحسين في الري، فأجابوه إلى ذلك.[54]
سير جيش الأمين نحو الري
سار ابن ماهان بجيشه، تملؤه الثقة والغطرسة، مستخفًا بخصمه طاهر بن الحسين وقواته القليلة العدد. فلما بلغه أن طاهرًا يستعد للقتال في الرَّي، ضحك وقال لأصحابه مستهزئًا: «وما طاهر! فوالله ما هو إلا شوكة من أغصاني، أو شرارة من ناري... فإن السخال لا تقوى على النطاح، والثعالب لا صبر لها على لقاء الأسد». بلغ به الاستخفاف بخصمه حد إهمال أبسط قواعد الحيطة العسكرية، فلم يرسل العيون والطلائع لاستكشاف الطريق أو مواقع جيش المأمون، ولم يكترث باختيار موقع حصين لمعسكره أو إقامة خندق حوله، رافضًا نصائح قادته الذين أشاروا عليه بذلك. اعتقد ابن ماهان أن طاهرًا إما سيتحصن بالرَّي فيخذله أهلها، أو سيفر هاربًا بمجرد اقتراب جيشه الكبير. وعندما حذره أحد قادته، يحيى بن علي، من مغبة التواني والاغترار، وأن طاهرًا لو كان ينوي الهرب لما تأخر إلى الآن، نهره ابن ماهان قائلًا: «اسكت، فإن طاهراً ليس في هذا الموضع الذي ترى، وإنما تتحفظ الرجال إذا لقيت أقرانها، وتستعد إذا كان المناوئ لها أكفاءها ونظراءها».[54]
في المقابل، كان طاهر بن الحسين في الرَّي، رغم قلة عدد جيشه الذي لم يتجاوز أربعة آلاف مقاتل، يستعد للمواجهة بجد وحزم. وبعد مُشاورة أصحابه، رفض رأيهم بالتحصُّن داخل المدينة، خشية أن يؤدي ذلك إلى تثبيط عزائم جنده وإلى ثورة أهل الرَّي عليه بتأثير الخوف من جيش ابن ماهان، وقرر الخروج لملاقاة عدوه في ميدان مفتوح خارج المدينة، معسكرًا في قرية قريبة، وقال لقواده: «إن أصحابي قليل، والقوم عظيم سوادهم كثير عددهم، فإن دافعت القتال، وأخرت المناجزة لم آمن أن يطلعوا على قلتنا وعورتنا... ولكن أُلْفُّ الرجال بالرجال، وألحم الخيل بالخيل، واعتمد على الطاعة والوفاء، وأصبر صبر محتسب للخير... فإن يرزق الله الظفر والفلج فذلك الذي نريد ونرجو، وإن تكن الأخرى، فلست بأول من قاتل فقتل». ثم عبأ طاهر جيشه ونظمه، وجعل يمر على جنوده يذكرهم بعدالة قضيتهم ووجوب الوفاء بالعُهود بعكس الأمين وحزبه وأنصاره.[55]
معركة الري الفاصلة
أقبل ابن ماهان بجيشه الضخم حتى نزل على مقربة من معسكر طاهر قرب مدينة الرَّي، وبدأ في ترتيب قواته في تشكيل معقد يعتمد على عشر رايات، كل راية تضم ألف مقاتل، مع خطة لتبديل الرايات المتقدمة في القتال لضمان استمرار الهجوم. بينما استعد طاهر ورجاله للمواجهة بثبات. وقبل التحام الجيشان، قام أحد قادة طاهر، وهو أحمد بن هشام، برفع نسخة من وثيقة البيعة التي أقرَّها ابن ماهان على نفسه للمأمون في أهل خراسان سابقًا، وعلقها على رمح وتقدم بين الصفين طالبًا الأمان للكلام، فأمنه ابن ماهان. نادى أحمد بن هشام مذكِّرًا ابن ماهان بالعهد: «يا علي بن عيسى، ألا تتقي الله! أليس هذه نسخة البيعة التي أخذتها أنت خاصة! اتق الله فقد بلغت باب قبرك». غضب ابن ماهان لسماع هذا الكلام، وسأل عن هوية المتكلم، فلما عرف أنه أحمد بن هشام (الذي جلده سابقًا)، صاح في أهل خراسان يعرض ألف درهم لمن يأتيه برأسه، فكان هذا الموقف بمثابة الشرارة الأخيرة لاندلاع القتال.[55]
على الرغم من الفارق الهائل في العدد والعتاد بين جيش الأمين بقيادة ابن ماهان وجيش المأمون بقيادة طاهر بن الحسين، فإن نتيجة معركة الرَّي جاءت مخالفة للتوقعات السائدة في بغداد، إذ تمكن جيش طاهر الأصغر عددًا، بفضل قيادته الحازمة وتخطيطه الذكي وصبر جنوده وروحهم المعنوية العالية، من إلحاق هزيمة ساحقة بجيش ابن ماهان الذي وقع في أخطاء عسكرية قاتلة نتيجة ثقته المفرطة واستخفافه بخصمه. انتهت المعركة بمقتل ابن ماهان نفسُه، وتشتُّت جيشه الكبير في رمضان سنة 195هـ / يونيو 811م. أُرسل رأس ابن ماهان وخاتمه إلى المأمون في مرو إيذانًا بالنصر العظيم.[56]
تداعيات المعركة في مرو وبغداد
كان وقع هذا الانتصار هائلًا في بلاط المأمون بمرو، إذ استقبله المأمون ووزيره الفضل بن سهل بفرح غامر، ورأوا فيه تأييدًا إلهيًا لقضيتهم. وبينما استعدوا لإرسال جيش آخر بقيادة هرثمة بن أعين كمدد لطاهر، استغل الفضل بن سهل هذا النصر الكبير لترتيب بيعة رسميَّة للمأمون بالخلافة في خراسان، ليزداد موقفه قُوَّة. على النقيض تمامًا، نزلت أخبار الهزيمة ومقتل القائد الكبير ابن ماهان كالصاعقة على بغداد حين وصلتها في شوال 195هـ / يوليو 811م. لم يقتصر الأثر على بلاط الخلافة، بل امتد إلى الجند الذين سرت بينهم حركة تمرُّد واسعة، وتجمعوا مطالبين بزيادة الأرزاق والعطايا، ولم تهدأ خواطرهم إلا بعد صرف الأمين لهم بأرزاق أربعة أشهر إضافية وزيادات أخرى، مما زاد من إنهاك خزانة الدَّولة. وسرى القلق والفزع بين أهل بغداد الذين أدركوا أن الحرب بين الأخوين قد بدأت بالفعل، وأنها ستكون حربًا طاحنة لم تشهد الدولة مثلها منذ الصراع بين أبو جعفر المنصور وعمَّهُ عبد الله بن علي العبَّاسي قبل نحو ستين عامًا.[56]
حملة عبد الرحمن بن جبلة ومقتله
كان أول رد فعل عملي للأمين بعد هزيمة الري، هو مصادرة أموال المأمون وضياعه في بغداد. ثم سارع بتجهيز جيش آخر في محاولة لوقف تقدُّم طاهر، وأسند قيادته إلى عبد الرحمن بن جبلة الأنباري، وهو من قادة الأبناء الشجعان. خرج ابن جبلة على رأس عشرين ألف مقاتل، ومنحه الأمين كامل ولاية المشرق من حلوان شرقًا وكل ما يستطيع الاستيلاء عليه من أراضي المأمون، وأمره بالتوجه سريعًا إلى همذان لملاقاة طاهر وإنهاء خطرُه.[56] تقدم طاهر بجيشه من الري نحو همذان، ودارت بينه وبين جيش ابن جبلة معارك شديدة لعدة أيام أظهر فيها الطرفان بسالة كبيرة. إلا أن الغلبة كانت في النهاية لطاهر بن الحسين، فلجأ ابن جبلة بمن بقي معه للتحصُّن داخل مدينة همذان، فحاصره طاهر حصارًا شديدًا وقطع عنه الإمدادات. اضطر ابن جبلة في النهاية إلى طلب الأمان لنفسه ولمن معه، فأجابه طاهر إلى ذلك. لكن ابن جبلة، وبعد خروجه بالأمان، غدر بجيش طاهر وفاجأهم بهجوم غادر قتل فيه عددًا منهم، إلا أن طاهرًا استعاد زمام المبادرة سريعًا، وهزم ابن جبلة للمرة الثانية وقتله جزاء غدره.[56]
اتساع نفوذ المأمون وتفاقم أزمات الأمين
لم يمضى سوى شهرين بين وصول خبر هزيمة ابن ماهان ووصول خبر هزيمة ابن جبلة ومقتله إلى بغداد في ذو الحجة 195هـ / سبتمبر 811م. فتضاعف القلق والفزع في العاصمة، خصوصًا وأن جيوش المأمون لم تعد في موقف الدفاع فقط، بل بدأت بالتقدم غربًا، فطرد طاهر بن الحسين ولاة الأمين عن قزوين وباقي كور ولاية الجبل، وتعاظم نفوذ المأمون في تلك المناطق بسرعة، بينما واصل طاهر تقدمه نحو العراق. ولم تنتهِ مصائب الأمين عند هذا الحد في تلك السنة؛ ففي الشهر نفسه (ذي الحجة 195هـ / سبتمبر 811م)، اندلعت ثورة في الشَّام بقيادة علي بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية الأموي (المعروف بالسفياني)، الذي دعا لنفسه وحاصر والي الأمين على دمشق، سليمان بن أبي جعفر، الذي نجا بنفسه بصعوبة وهرب من المدينة.[57]
اضطر الأمين لتوجيه جيش آخر بقيادة الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان (ابن القائد المقتول ابن ماهان في الرَّي) لإخماد ثورة علي بن عبد الله الأموي، لكن الحسين بن ابن ماهان وصل بجيشه إلى الرَّقَّة ثم أقام بها ولم يتقدم نحو الشَّام، في دلالة واضحة على مزيد من التضعضع في سلطة الأمين وهيبته حتى بين قادته.[57] كانت خراسان في هذه الأثناء، تحتفل بالنصر المُتزايد من قبل جيش المأمون وانتصاراته المُتزايدة، وعمد المأمون إلى مكافأة وزيره ومدبر دولته الفضل بن سهل، فرفع مكانته ومنحه لقب ذي الرياستين (رياسة الحرب ورياسة التدبير)، وأصبح أول وزير يُلقب بالأمير، في دلالة على النفوذ الكبير الذي اكتسبه الفضل والمكانة الكبيرة التي بدأت تتشكل لدولة المأمون في الشرق.[58]
محاولات الأمين اليائسة لصد تقدم المأمون
حاول الأمين تدارك الموقف وتجهيز جيش ثالث لمواجهة طاهر بن الحسين الزَّاحف نحو العراق، فوقع اختياره بدايةً على القائد المخضرم أسد بن يزيد الشيباني، لكن أسدًا اشترط شروطًا مجحفة، قيل إنها تضمنت رواتب مضاعفة للجند لعامين مع حقهم في الاستيلاء على أموال وخراج المدن التي يفتحونها، فغضب الأمين من هذه المبالغات وأمر بحبسه. وتذكر رواية أخرى أن شرط أسد كان أشد غرابة، إذ طلب تسليمه ابني المأمون الموجودين في بغداد ليكونا رهينة لديه، مع صلاحية قتلهما إن لم يستجب المأمون، وهو ما أثار حفيظة الأمين بشدة، فقال له موبخًا: «أنت أعرابي مجنون! أدعوك إلى ولاء أعنة العرب والعجم وأطمعك خراج كور الجبال إلى خراسان وارفع منزلتك... وتدعوني إلى قتل ولدي وسفك دماء أهل بيتي؟!!» وأمر بحبسه على إثر ذلك.[58]
حرص الأمين على عدم استعداء قبيلة شيبان التي ينتمي إليها أسد بن يزيد، فالتمس قائدًا آخر من أهل بيته، فكلف أحمد بن مزيد الشيباني (عم أسد) ومعه عبد الله بن حميد بن قحطبة بقيادة جيشين قُدرا بنحو أربعين ألف مقاتل (أوائل 196هـ / أواخر 811م). أُمر القائدان بالتوجه إلى حلوان التي وصل إليها طاهر بن الحسين وجيشه. وصل جيش الأمين إلى خانقين بالقرب من حلوان، لكن طاهر بن الحسين، الذي حصّن موقعه بخندق، لجأ إلى الدهاء بدل المواجهة المباشرة، فدس الجواسيس والعيون بين جندي القائدين، وأخذوا يبثون الأخبار المغرضة ويوقعون الفتنة بينهما وبين جنودهما. لم يلبث الأمر أن تفاقم حتى اختلف القائدان وتقاتل جنودهما فيما بينهم، فانتقض أمر الجيشين وعادا إلى بغداد دون أن يلقيا طاهرًا أو يقاتلاه. استغل طاهر هذا التفكك فتقدم بجيشه ودخل حلوان دون مقاومة تذكر.[58]
محاولة الاستنجاد بالشام ووفاة عبد الملك العباسي

في ظل هذه الهزائم المتتالية وتدهور وضع الجبهة الشرقية، لجأ الأمين إلى خيار آخر نتيجة فقدانه الثقة في قادة وجند العراق الذين بدت عليهم علامات الوهن والتمرُّد الطمعًا في المال، والخوف من انتصارات المأمون المُتزايدة. أشار عليه عبد الملك بن صالح بن علي العبَّاسي، وهو من كبار رجالات البيت العبَّاسي، بالاستعانة بأهل الشَّام، المعروفين بالبأس والشدة في القتال لطول تجربتهم في مواجهة الرُّوم. قال عبد الملك للأمين إن جند العراق قد فسدوا ولم يعد يُرتجى منهم نصر، فهم يشغبون إن احتاجوا للمال، ويطمعون أكثر إن أُعطوا، وانهارت معنوياتهم وانتشرت بينهم جواسيس المأمون، بينما أهل الشَّام لهم ولاء له (لعبد الملك) وهم مقاتلون أشداء. وافق الأمين على هذا الرأي، وولَّى عبد الملك بن صالح ولاية الشَّام وأمره بتجهيز جيش منها للقدوم إلى العراق ومحاربة طاهر وهرثمة.[58]
توجه عبد الملك بن صالح إلى الرَّقَّة ليبدأ منها بمراسلة وجوه الشَّام وقادتها، وبذل لهم الأموال والمناصب لاستمالتهم، فاجتمع إليه عدد كبير منهم. لكن هذا الجيش لم يكد يكتمل حتى وقعت فيه كارثتان قضت عليه قبل أن يتحرك، الأولى فتنة عرقيَّة وعسكريَّة طاحنة نشبت بين الجنود الخراسانيين الذين كانوا في الرقة (بقايا جيش الحسين بن علي الماهاني) وبين الجنود الشَّاميين والعرب الذين انضموا لعبد الملك. انحاز عبد الملك للعرب في هذا الصراع، مما أدى إلى تفاقم الفتنة، فبعض الشاميين رفضوا القتال في حرب أهلية بين العباسيين أنفسهم، وانسحبوا بجموع كبيرة، بينما استمر القتال بين من بقي من الشاميين والخراسانيين وسقط بينهم قتلى كثر. أما المصيبة الثانية، فكانت وفاة القائد عبد الملك بن صالح نفسه في خضم هذه الفوضى، وهو الذي كانت آمال الأمين معقودة عليه لقيادة الحرب على المأمون. وهكذا، فشلت محاولة الاستعانة بالشام، ونزلت كارثة جديدة على الأمين في بغداد.[59]
ثورة الحسين الماهاني وخلع الأمين المؤقت
عاد من تبقى من الجيش الذي كان مع عبد الملك بن صالح العبَّاسي في الرَّقَّة إلى بغداد بقيادة الحسين بن علي الماهاني في رجب سنة 196هـ / مارس 812م. استقبلهم أهل بغداد بالترحاب أملًا في أن يكونوا عونًا في الدفاع عن المدينة التي أصبحت جيوش المأمون على مقربة منها، لكن الحسين بن علي عاد وهو ناقم على الأمين، وارتاب من المثول أمامه حين استدعاه، قائلًا بغلظة: «والله ما أنا بمسامر ولا مضحك، ولا وليت له عملا ولا جبى على يدي مالا، فلماذا يطلبني في هذه الليلة؟». لم يكتفِ الحسين بالرفض، بل أعلن التمرد على الأمين في قلب بغداد، وقام على رأس فرقة الأبناء خطيبًا، فألّبهم على الأمين، زاعمًا أن الأمين سينقلب عليهم لصالح العرب، ومُظهرًا ميلاً للخراسانيين (الذين يشكلون عصب جيش المأمون)، فاستجاب له الكثيرون. تفاقم الأمر بسرعة، ففي يوم الأحد الحادي عشر من رجب سنة 196هـ / 28 مارس 812م، أعلن الحسين بن علي الماهاني خلع الأمين، ثم بايع المأمون، وانطلق العبَّاس بن موسى بن عيسى العبَّاسي، الذي استماله الفضل بن سهل سابقًا، فاقتحم مجلس الأمين واعتقله هو ووالدته زبيدة بنت جعفر وإخوته، وحبسهم في قصر المنصور.[59]
لم يستمر هذا الانقلاب سوى يوم واحد، فالحسين الماهاني لم يملك المال الكافي لدفع أرزاق الجند الذين معه، فضلًا عن مشاعر غالبية أهل بغداد ممن لم يروا من الأمين شرًّا ولا ظُلمًا ولا إهانة، تعصبوا للأمين ورفضوا أن يتولى أمرهم الحسين الماهاني وما فعله الأمير العبَّاس بن موسى العبَّاسي. وفي اليوم التالي، أي 12 رجب 196هـ / 29 مارس 812م، هاجمت جموع غفيرة مؤيدة للأمين قوات الحسين بن علي الماهاني، فهزموهم بعد قتال عنيف وأسروا الحسين نفسه، ثم انطلق زعيمهم أسد الحربي إلى قصر المنصور، فأخرج الأمين وأهله من محبسه وأعاده إلى قصر الخلافة وسط فرح شعبي بغدادي عام.[59]
طلب الحسين الماهاني العفو من الأمين مُعلِّلًا أسبابه، فعفا عنه، غير أنه وفي قرارٍ أثار دهشة الكثيرين، جعله وزيرًا مفوضًا، وكلَّفهُ بقيادة الجيش الذي سيُشكَّل من أهالي بغداد الموالين لمحاربة طاهر بن الحسين في 13 رجب / 30 مارس. يُعلِّق المُؤرِّخ المصري محمد إلهامي على غرابة الموقف، قائلًا: «يبدو قرارا أحمق، ولكن هل كان الأمين يملك غير ذلك في هذا الوقت؟ فلعلَّه بإكرامه الزائد لعلي بن الحسين أمل في أن يستفيد منه»، ولعل الأمين كان يأمل في استغلال خبرة الحسين أو كسب ولائه بهذا الكرم المفرط. لكن الحسين الماهاني كان على موقفه الأول، فما إن خرج من بغداد حتى هرب مع خاصته، فأرسل الأمين سرية في طلبه لحقته وقاتلته حتى قُتل في 15 رجب 196هـ / 31 مارس 812م، وجيء برأسه إلى الأمين.[60]
استمرار تقدم جيش المأمون وتراجع نفوذ الأمين
في خضم هذه الفوضى والانقلابات داخل بغداد، كانت جيوش المأمون تحقق تقدمًا مطردًا على الأرض، ففي نفس الفترة رجب 196هـ / مارس أو أبريل 812م، استولى طاهر بن الحسين على معظم ولايات الشرق مثل الجبال، وفارس، والأهواز بعد قتال عنيف مع واليها محمد بن يزيد بن حاتم المهلبي، ثم سيطر على المدائن وواسط ونواحيها. وفي الحجاز، خلع داود بن عيسى بن موسى الأمين وبايع للمأمون في مكَّة والمدينة. وكذلك فعل أهل اليمن بتوجيه من والٍ أرسله المأمون، وحينها لم يبق فعليًا تحت سيطرة الأمين سوى بغداد وضواحيها القريبة. وفي هذه الظروف الحرجة، هرب الوزير الفضل بن الربيع، المُحرِّض الأوَّل للأمين على المأمون، واختبأ ولم يُعثر له على أثر.[61]
حصار بغداد وأسر الأمين
إطباق الحصار الكامل على بغداد

وصلت جيوش المأمون بقيادة طاهر بن الحسين وهرثمة بن أعين إلى أسوار بغداد أواخر سنة 196هـ / خريف 812م، وفرضت عليها حصارًا شديدًا. تمركز خلالها طاهر في الجانب الغربي عند باب الأنبار، بينما تمركز هرثمة في الجانب الشرقي عند باب الشمَّاسيَّة.[62] ولجأ الطرفان إلى استخدام المجانيق والعرَّادات بكثافة، فتساقطت الحجارة وقذائف النفط والنَّار على أحياء بغداد وقصورها وأسوارها، مما أدى إلى دمار هائل وحرائق واسعة النطاق.[63] قاوم الأمين ومن معه من بقايا الأبناء والمقاتلين الشعبيين (المُؤلف من العيَّارون والشُّطَّار والغوغاء وأهل السُّجون) الحصار بضراوة في بعض الأحيان، وشهدت بغداد معارك كريهة في أزقتها ودروبها، مثل وقعة قصر صالح ووقعة درب الحجارة ووقعة باب الشماسية، بل إن هرثمة نفسه وقع أسيرًا لفترة وجيزة في إحدى هذه الجولات قبل استنقاذه من رجال طاهر.[64]
طال الحصار، واشتد الجوع والغلاء بالناس والاضطراب في الداخل يزيد، ونفدت أموال الأمين تمامًا فاضطر إلى بيع ما في خزائنه من نفائس وضرب آنية القصور نقودًا لدفع النفقات. كان طاهر وهرثمة يُحكمان الحصار ويقطعان الإمدادات خلالها، وينظمان الأمور في المناطق التي يسيطران عليها. سيطر طاهر على ضياع وأراضي الهاشميين والقادة الذين لم يعلنوا ولاءهم للمأمون، مما زاد من عزلة الأمين وإضعاف مؤيديه. استمرت الانشقاقات في صفوف قادة الأمين، فلَحِقَ بطاهر كل من: القاسم المُؤتمن، ومنصور بن المهدي، عبد الله بن حميد بن قحطبة ويحيى بن علي بن ماهان، وغيرهم من أمراء البيت العبَّاسي وجند الأمين وقادته وحازوا على الأمان، وزاد المأمون بتولية أخيه القاسم المُؤتمن ولاية جرجان.[63]
اشتد الحصار على بغداد وأخذت الأوضاع داخلها تتدهور بسرعة مع دخول سنة 197هـ / 812م، ولجأ الأمين في محاولة يائسة لحرمان جيش المأمون من المغانم إذا سيطروا على بغداد، فأحرق كثير من القصور والدور، وأمر باستخدام المجانيق بشكل عشوائي، مما ألحق الأذى بالصديق والعدو على السواء، حتى قال الشاعر عمرو بن عبد الملك العتري:
تحولت بغداد الزَّاهرة المُزدهرة أيَّام هارون الرَّشيد إلى صورة بائسة موحشة، وهو ما عبر عنه عمرو العتري بقوله:[63]
ضعف جبهة الأمين
ورغم هذه المقاومة والبسالة والشجاعة المُقدَّمة من العيَّارون والشُّطَّار وأهل السُّجون في الدفاع عن بغداد أمام حصار جيش المأمون وقصفه، فإنهم عاثوا في أحياء بغداد سلبًا ونهبًا، إذ لم تكن منظمة، وشابها الكثير من الفوضى وأعمال السَّلب والنَّهب من قبل المقاتلون الشعبيُّون على أهل بغداد وممتلكاتهم، حتى وُصف بأن هؤلاء اللُّصوص في جانب الأمين كانوا أضر عليه من جيش طاهر، فهم يسلبون الدور التي يهدمها جيش طاهر ويزيدون من الخراب.[64] وأنشد عمرو العتري على ذلك بقوله:
أدى الانفلات الأمني من قبل العيَّارون والشُّطَّار، بالإضافة إلى شدة الحصار وتردي الأحوال المعيشيَّة، وعدم استطاعة الأمين من فعل شيء، إلى ميل أهالي بغداد في النهاية للانحياز إلى جانب طاهر الذي وفر قدرًا أكبر من الأمن والنظام في المناطق التي يسيطر عليها. وصل اليأس بالخليفة الأمين نفسه إلى درجة أنه قال: «وددت أن الله قتل الفريقين جميعا وأراح الناس منهم فما منهم إلا عدو ممن معنا وممن علينا أما هؤلاء فيريدون مالي وأما أولئك فيريدون نفسي». ومع نهاية عام 197هـ، انفض آخر القادة الكبار عن الأمين، مثل خزيمة بن خازم التميمي، ومحمد بن علي بن عيسى بن ماهان، اللذين أخذا الأمان من طاهر، ليصبح الأمين وحيدًا معزولاً تمامًا.[65]
الأمين طالبًا الأمان بعد سقوط بغداد
استمر حصار بغداد قرابة أربعة عشر شهرًا، ثم تمكن هرثمة بن أعين من اقتحام بغداد من الجانب الشرقي والسيطرة على جسرها الرئيسي في 22 محرم 198هـ / 22 سبتمبر 813م، ودخلت جيوش طاهر أيضًا وأعلنت الأمان لمن لزم منزله. اشتدت المعارك في محيط مدينة أبي جعفر، ووصل جيش المأمون إلى محيط قصر أبي جعفر التي تحصَّن فيها الأمين، وحوصرت أيضًا قصور الخلافة (قصر الخلد وقصر زبيدة) ونُصبت عليها المجانيق. أيقن الأمين بالهلاك، فلم يعد أمامه سوى طلب الأمان. بعد مشاورات مع من بقي معه، استقر رأيه على طلب الأمان من هرثمة بن أعين دون طاهر بن الحسين، إذ وثق الأمين بهرثمة لكونه مولىً قديمًا للعباسيين وخدم أباه الرشيد، بينما كان يستوحش من طاهر ويتطير منه،[66] وإن كان يعترف ببراعته العسكرية، قائلاً لمن أشار عليه بالخروج إلى طاهر: «هل كان عبد الله أخي لو جهد نفسه وولي الأمور برأيه بالغاً عشر ما بلغه له طاهر!... ولكني لا أطمع في ذلك منه».[67][68] استجاب هرثمة لطلب الأمين ومنحه الأمان. لكن طاهرًا اعترض بشدة على أن يخرج الأمين إلى هرثمة دون أن يكون له دور في استسلامه ونسب الفتح إليه.[68] وبعد مداولات بين القادة، تم الاتفاق على تسوية تقضي بخروج الأمين ليلًا في زورق إلى هرثمة، على أن تُسلَّم شارات الخلافة (الخاتم والقضيب والبردة) إلى طاهر.[68]
وقوع الأمين في الأسر
في ليلة الأحد 15 مُحرَّم سنة 198هـ / 25 سبتمبر 813م، تهيأ الأمين للخروج، فارتدى ثياب الخلافة (دراعة وطيلسانًا وقلنسوة طويلة)، وودع ابنيه موسى وعبد الله وداعًا مؤثرًا والدموع تترقرق في عينيه، قائلاً لهما: «أستودعكما الله». ثم وثب على فرسه وسار إلى الشاطئ وبين يديه شمعة واحدة، حيث كانت الحرَّاقة التي أعدها له هرثمة بانتظاره. صعد الأمين إلى الحرَّاقة، فوجد هرثمة وعددًا من قواده فيها، فقاموا له إعظامًا وإجلالًا. يروي أحمد بن سلام الذي كان حاضرًا، أن هرثمة جثا على ركبتيه معتذرًا عن عدم القيام لعلة النُّقرس، ثم احتضن الأمين وأجلسه في حجره، وجعل يقبل يديه ورجليه وعينيه، ويكرر: «يا سيدي ومولاي وابن سيدي ومولاي». التفت الأمين إلى الحاضرين وتصفح وجوههم، فلما رأى عبيد الله بن الوضاح قال له: «أيهم أنت؟» فلما عرفه، شكره على موقف سابق له قائلًا: «نعم، فجزاك الله خيراً، فما أشكرني لما كان منك من أمر الثلج! ولو قد لقيت أخي أبقاه الله لم أدع أن أشكرك عنده، وسألته مكافأتك عني».[69]
ما إن أمر هرثمة بدفع الحرَّاقة التي تجمعه بالأمين لتبحر نحو الجانب الشرقي، حتى انقضَّت عليها زوارق طاهر بن الحسين ورجاله الذين كمنوا لهم، رفضًا لنسب الانتصار لهرثمة وتسليم الأمين إليه بدلًا منه. أحاط جند طاهر بالحرَّاقة من كل جانب وهم يصيحون، فمنهم من أمسك السكان ليوقفها، ومنهم من أخذ يضربها بالرماح وينقبها، ومنهم من أمطرها بالسهام والحجارة. لم يلبث الزورق المثقوب أن امتلأ بالماء وانقلب وغرق بمن فيه. سقط هرثمة في الماء فانتشله أحد الملاحين، أما الأمين، فقد رمى بنفسه في النهر وسبح نحو الشاطئ الغربي. خرج منهكًا إلى أحد البساتين، فإذا بجنود طاهر بانتظاره، فعرفه قائدهم محمد بن حميد الطاهري، فأمر رجاله فأخذوه أسيرًا. جُرِّد الأمين من ثيابه الفاخرة وأُلبس إزارًا باليًا، وحُمل على برذون إلى منزل القائد إبراهيم بن جعفر البلخي بباب الكوفة.[70]
مقتل الأمين
لحظة مقتله

يصف أحمد بن سلام، الذي وُضع هو الآخر في نفس البيت مع الأمين، حال الخليفة في ساعاته الأخيرة، إذ وجده لابسًا سراويل وعمامة وخرقة بالية وُوضع في رأسه عمامة مُتلثم بها، فلما استقر في البيت حسر الأمين عن وجهه، وتعرَّف عليه ابن سلام ثم عرَّفه عن نفسه بأنه صاحب المظالم وأنه أحسن إليه كثيرًا. طلب الأمين من أحمد أن يدنو منه ويضمه إليه قائلًا: «فإني أجد وحشة شديدة». وجد أحمد قلب الأمين يخفق بشدة. سأل الأمين عن أخيه المأمون إن كان حيًا، فقد أخبره صاحب البريد أنه توفي، فسخر الأمين من صاحب بريده، قائلًا: «قبح الله صاحب بريدهم ما أكذبه»، فقال ابن سلام للأمين: «بل قبح الله وزراءك!»، فقال الأمين: «لا تقل لوزرائي إلا خيرًا، فما لهم ذنب، ولست بأول من طلب أمرًا فلم يقدر عليه»، ثم سأل بقلق عن مصيره: «يا أحمد، ما تراهم يصنعون بي؟ أتراهم يقتلوني أو يفون لي بأيمانهم؟» رفض الأمين ارتداء ثياب نظيفة عرضها عليه أحمد، قائلاً: «من كانت حاله مثل حالي فهذا له كثير»، وأخذ يستغفر الله.[70]
في منتصف تلك الليلة العصيبة، دخل عليهم محمد بن حميد الطاهري، فنظر في وجه الأمين للحظات دون كلام ثم خرج، فعلم أحمد بن سلام أن الأمين مقتول لا محالة. لم يمض وقت طويل حتى دخلت مجموعة من الجنود الخُراسانيَّة بالسيوف المسللة. قام الأمين فزعًا وهو يقول: «إنا لله وإنا إليه راجعون! ذهبت والله نفسي في سبيل الله! أما من حيلة! أما من مغيث! أما من أحد من الأبناء!» ثم أخذ وسادة بيده وهو يتوسل، قائلًا: «ويحكم! إني ابن عم رسول الله ﷺ، أنا ابن هارون وأنا أخو المأمون، الله الله في دمي!». تردد القتلة للحظات، ثم تقدم أحدهم، وهو قريش الدنداني مولى طاهر، فضرب الأمين بالسيف على رأسه. حاول الأمين الدفاع بالوسادة، ليهجم عليه البقيَّة ويتكاثروا عليه، فطعنوه في خاصرته، ثم قتلوه ذبحًا من ظهره.[71][72] حُمل رأس الأمين إلى طاهر بن الحسين، وفي الصباح عُلِّق رأسه على باب الأنبار ليراه الناس، ثم أُرسل إلى المأمون في خراسان.[73][74]
قُتل الخليفة محمد الأمين في ليلة الأحد 25 مُحرَّم سنة 198هـ / 25 سبتمبر 813م. وعمره 27 عامًا، وثلاثة أشهر هجريَّة / 26 عامًا، وخمسة شهور ميلاديَّة. دُفن جسد الأمين في مقابر قريش.[75][76] يُعد الأمين أول خليفة من بني العبَّاس يُقتل في صراعٍ دموي على السلطة، وهو حدثٌ اعتبره بعض المؤرخين علامة فارقة عن الاستقرار السياسي الذي عم الخلافة العبَّاسية في زمن آبائه.[77]
ما بعد مقتله
انتقال الخلافة إلى المأمون

بعد مقتل الخليفة الأمين، تُركت جثته في الموضع الذي قُتل فيه حتى وقت السحر، ثم أُخذت وأُدرجت في بساط (جُلّ) وحُملت بعيدًا. أما رأسه، فقد حُمل فورًا إلى القائد طاهر بن الحسين الذي أمر بنصبه صبيحة اليوم التالي على باب الأنبار في بغداد، وخرج أهل بغداد للنظر إليه بأعدادٍ لا تُحصى، بينما طاهر يُعلن: «هذا رأس المخلوع محمد».[78] عث طاهر برأس الأمين مع البردة والخاتم والقضيب، وهي شارات الخلافة، وأيضًا ولديه موسى وعبد الله إلى المأمون في مرو مع ابن عمه محمد بن الحسن بن مصعب. أُدخل رأس الأمين على ترس باتجاه المأمون وعنده وزيره الفضل بن سهل، فحزن المأمون، وقال: «إنا لله، أمرناهم أن يأتوا به أسيرا فأتوا به عقيرا»، وتمثل ببيتين شعر:
ثم بكى المأمون على أخيه، فاستغرب ابن سهل شفقة المأمون عليه، واستفهم سبب بكائه، فأجاب المأمون: «تذكرت لمحمد مع عقوقه قليل بره، أمر لي الرشيد يوما بمائة ألف دينار وأمر له بمائتي ألف ولم يعلم بذلك فبادرت فبشرته بها فقال: يا أخي لعل في نفسك شيئا من تفضيلي عليك قد جعلتها بأسرها لك جزاء بشارتك لي فصرف الثلاث مائة ألف إلي».[79] ثم حين رأى المأمون ولدي الأمين عبد الله وموسى، ضمَّهما وقبَّلهما وأكرم مثواهما وأحضر الفقهاء والقضاة وزوَّجهما ابنتين له.[80] وقيل لما رآه سجد لله شكرًا.[81] وحمَّل المأمون حاشية الأمين فيما أوصلوه إليه، قائلًا: «أما أنه أول من يؤخذ بدمه (الأمين) يوم القيامة ثلاثة...وهم الفضل بن الربيع وبكر بن المعتمر والسندي بن شاهك. هم والله ثأر أخي وعندهم دمه».[82]
بعد تأمين الجيش العبَّاسي لمدينة بغداد، عمل طاهر على تأمين انتقال السلطة للمأمون، فأمر بإخراج أم جعفر زبيدة وابني الأمين موسى وعبد الله من قصر أبي جعفر وتحويلهم إلى قصر الخلد تحت الحراسة منعًا لتعرُّض أحد لهم.[83] وبمقتل الأمين، وتفرق قادته، استقر المشرق والمغرب على طاعة المأمون وانقاد الناس لخلافته.[83] بدأت خلافة المأمون (198 - 218هـ / 813 - 833م)، وُعدت استكمالاً وازدهارًا للعصر الذَّهبيُّ العبَّاسي الذي بدأ في عهد أبيه الرشيد. تميز عصر المأمون بتشجيع منقطع النظير للعلم والفلسفة وحركة الترجمة الواسعة من اليونانية والفارسية والسريانية إلى العربية، خاصة من خلال دعمه الكبير لبيت الحكمة في بغداد، الذي أصبح مركزًا علميًا عالميًا. شهد عهده تطورات هامة في الفلك والرياضيات والطب والجغرافيا، وأصبحت اللغة العربية لغة علم وفلسفة إلى جانب كونها لغة الدين والأدب، مما ترك أثرًا حضاريًا عميقًا استمر لقرون طويلة من بعده.[84][85]
رثاؤه
رثى الأمين عدد كبير من أهله وشُعرائه مثل عمرو الوراق، وعبد الرحمن بن أبي الهداهد، ومقدس بن صيفي، خزيمة بن الحسين،[86] ومنهم والدته السيدة زبيدة بنت جعفر، التي أحزنها مقتل ابنها حزنًا شديدًا، ويُنسب إليها رثائه بأبياتٍ مؤثرة تُعبّر عن لوعتها وفقدها لابنها، فقالت:[87]
ولرغبتها في رأب الصدع والحفاظ على وحدة البيت العبَّاسي، أمرت السيدة زبيدة الشاعر المعروف أبو العتاهية بتنظيم أبياتًا على لسانها تُرسل إلى الخليفة الجديد المأمون. عبّرت هذه الأبيات عن حزنها العميق على الأمين، مع تسليمها بقضاء الله وقدره، وإقرارها بخلافة المأمون باعتباره البقية الباقية من أبناء الرشيد. فقال أبو العتاهية على لسانها:[87]
لما وصلت هذه الأبيات المؤثرة إلى المأمون وقرأها، أثّرت فيه، فأرسل في طلب السيدة زبيدة، وحين حضرت سألها: «من قائل هذه الأبيات؟» قالت: «أبو العتاهية». سألها: «وكم أمرتِ له؟» قالت: «عشرون ألف درهم». فقال المأمون: «وقد أمرنا له بمثل ذلك». ثم اعتذر المأمون إليها عما جرى لابنها الأمين، مُحاولاً التنصل من المسؤولية المباشرة عن قتله بقوله: «لستُ صاصيه ولا قاتله». أجابته السيدة زبيدة بحكمة واتزان: «يا أمير المؤمنين إن لكما يوما تجتمعان فيه وأرجو أن يغفر الله لكما إن شاء الله». وقالت له أيضًا مُهنئةً له بالخلافة: «أهنيك بخلافة قد هنَّأتُ نفسي بها عنك قبل أن أراك، ولئن كنتُ قد فقدتُ ابنًا خليفةً، لقد عُوِّضتُ ابنًا خليفة لم ألده، وما خسر من اعتاض مِثلكَ، ولا ثكِلت أمٌّ ملأت يدها منك، وأنا أسأل الله أجرًا على ما أخذ، وإمتاعًا بما عوَّض». دأب المأمون على إكرام السيدة زبيدة والإحسان إليها وإلى أسرتها، فكان يرسل إليها سنويًا مائة ألف دينار وألف ألف درهم، وكانت تكرم أبو العتاهية مائة دينار وألف درهم منهم سنويًا.[88][89]
وذُكر أن لبانة بنت علي زوجة الأمين، رثته قائلة:[90]
ورثاه إبراهيم بن المهدي عمَّه، حين بلغه قتل الأمين، فاسترجع وبكى طويلًا، ثم أنشد قائلًا:[91]
ورثاه الحسين بن الضحاك الأشقر، مولى باهلة، ومن ندمائه فقال في قصيدةٍ طويلة:[90]
وهجاؤه أحد الشُّعراء قائلًا:[90]
سياسته الداخلية
استوزر الأمين منذ بداية خلافته الفضل بن الرَّبيع في جُمادى الآخرة سنة 193هـ / أبريل 809م. بقي ابن الرَّبيع وزيرًا للأمين حتى شعر بضعف حُكمه، فهرب واختفى سنة 196هـ / 812م. تسلَّم بعده إسماعيل بن صبيح كاتبه.[61][92] وتولَّى أبو يوسف صاحب أبي حنيفة النعمان منصب قضاء القضاة في خلافة الأمين. ومن قُضاته: محمد بن حبيب، وإسماعيل بن حمَّاد بن أبي حنيفة، وأبو البختري وهب بن وهب القُرشي.[92][93] أما على شرطته: عبد الله بن خازم، ثم محمد بن حمزة بن مالك، ثم أُعيد عبد الله بن خازم.[74]
سياسته الخارجية
على عكس الاضطراب الداخلي والصراع الأهلي الذي وسم خلافة الأمين القصيرة، شهدت الجبهات الخارجية للخلافة العبَّاسية هدوءًا نسبيًا ملحوظًا في عهده. لا يُعزى هذا الهدوء إلى سياسة خارجية فعالة انتهجها الأمين، المنشغل تمامًا بحربه مع أخيه، بل إلى ظروف خارجية وتطورات إقليمية حالت دون تمكن القوى المجاورة من استغلال الفتنة الداخلية التي عصفت بالخلافة.[77]
العلاقة مع الإمبراطورية البيزنطيَّة
كانت الإمبراطورية البيزنطية أو مملكة الرُّوم، العدو التقليدي للخلافة العبَّاسية، تمر بفترة من الاضطراب الداخلي الحاد وعدم الاستقرار السياسي تزامنت تمامًا مع سنوات خلافة الأمين (193–198هـ / 809–813م). ففي العام الذي توفي فيه هارون الرشيد وتولى الأمين الخلافة (193 هـ / 809 م)، قُتل الإمبراطور البيزنطي القوي نقفور الأول في حروبه مع البلغار، ثم خلفه ابنه ستوراكيوس الذي كان جريحًا، فلم يلبث في الحكم سوى شهرين ثم مات متأثرًا بجراحه. آل المُلك بعد ذلك إلى زوج أخته ميخائيل الأول رانجابي، لكنه لم يهنأ بالحكم طويلاً، إذ تعرض لمحاولة اغتيال نجا منها بأعجوبة، فقرر على إثرها التنازل عن العرش والدخول في سلك الرهبنة سنة 198هـ / 813م. ثم تولى الحكم بعده القائد العسكري ليون الخامس الأرمني. هذه السلسلة من الأزمات الداخلية والتغييرات السريعة في قمة السُّلطة البيزنطية شغلت الرُّوم بأنفسهم، ومنعتهم من استغلال فرصة الحرب الأهليَّة بين الأخوين لشن هجمات واسعة على الثغور أو استعادة أراضٍ فقدوها سابقًا، مما شكل حماية غير مقصودة للجبهة الشمالية للخلافة في أحلك ظروفها.[77]
العلاقة مع أقاليم المغرب
أثمرت سياسة هارُون الرَّشيد السابقة بتولية إبراهيم بن الأغلب واليًا على إفريقية بتحسُّن شؤون إفريقية من جهة، وحماية دولة الخلافة من نفوذ الخوارج (مثل الرستميين في المغرب الأوسط) أو الحركات العلويَّة (مثل الأدارسة في المغرب الأقصى) شرقًا نحو مصر وبقية المشرق الإسلامي. تمتع الأغالبة باستقلال ذاتي كبير مع الحفاظ على ولاء اسمي للخليفة العبَّاسي وسك عُملات باسمه. حافظ بنو الأغلب على قوة دولتهم واستقرارها الداخلي خلال الصِّراع بين الأمين والمأمون، وشكلوا بذلك سدًا أمام أي تهديدات قادمة من الغرب، ضامنين بقاء إفريقية ضمن دائرة النفوذ العباسي اسميًا على الأقل. ومن المفارقات أن عهد الأمين، رغم ضعفه الداخلي، لم يشهد نشوء دول مستقلة جديدة في المناطق البعيدة مثل ما حدث في عهود خلفاء أقوياء سبقوه، ويرجع الفضل في ذلك إلى حد كبير إلى قوة دولة الأغالبة ونجاح سياسة الرَّشيد في جعل إفريقية تحت حكم الأغالبة كمنطقة عازلة.[77]
أسرته
إخوته
محمد الأمين هو ثاني أبناء هارون الرَّشيد، وله أحد عشر أخًا، واثنتا عشر أُختًا من أُمَّهات أُخريات، وهم:[94]
الذكور:
- عبد الله المأمون (حكم 198–218هـ / 813–833م)، وأمه مراجل الباذغيسية
- محمد المعتصم (حكم 218–227هـ / 833–842م)، وأمه ماردة التركية
- القاسم المُؤتمن، وأمه قصف
- أحمد السبتي
- علي، وأمه زبيدة بنت جعفر
- صالح، وأمه رثم
- محمد أبو يعقوب، وأمه شذرة
- محمد أبو عيسى، وأمه عرابة
- محمد أبو العباس، وأمه خبث
- محمد أبو أحمد، وأمه كتمان
- محمد أبو علي، وأمه دواج
الإناث:
جواريه
كان للأمين عددٌ من الجواري والمحظيات في قصره، عُرف منهن بجمالهن أو مهارتهن في الغناء والشعر. وأن قصره يزخر بالجواري الغُلاميَّات اللاتي يلبسن لبس الغُلمان.[95]
بذل المدنية
مُولَّدة من أهل المدينة، بارعة في الغناء حتى قيل بإتقانها ثلاثين صوتًا (لحنًا). يُروى أنها غنت مرة بحضرة إسحاق الموصلي ثلاثة أصوات تعلمتها من أبيه إبراهيم الموصلي. وبذل في الأصل جارية لدى جعفر بن موسى الهادي، لكن الأمين اشتراها منه بحيلةٍ دبرها. بقيت بذل بقيت دون زواج بعد مقتل الأمين سنة 198هـ / 813م، رغم الفرص التي سنحت لها من القادة والكتاب، وآثرت البقاء في حجر قصر المنصور حتى وفاتها سنة 199هـ / 814م.[96]
عريب
جارية شاعرة ومغنية وعازفة عود ماهرة، وتجيد لعب الشطرنج. اتصفت بحُسن الوجه وجمال الصوت، اشتراها الأمين بمبلغ كبير قُدر بسبعة عشر ألف دينار. تزعم بعض الروايات أنها ابنة الوزير الشهير جعفر البرمكي، وأنها سُرقت وهي صغيرة وبِيعت في سوق الجواري ببغداد، إلا أن هذا النسب يبدو مستبعدًا، نظرًا لقرب الفترة الزمنية بين سقوط البرامكة (187هـ / 803م) وخلافة الأمين (193هـ / 809م). عاشت عريب طويلاً بعد الأمين، وانتقلت لاحقًا إلى خدمة المأمون وعرفت لاحقًا باسم عريب المأمونيَّة ثم خدمت المعتصم بالله.[96]
فريدة الحجازية
جارية مُولَّدة من الحجاز ونشأت فيه، كانت في بداية أمرها عند الربيع بن يونس حاجب الرشيد، فتعلمت في داره الغناء والشعر، ثم صارت إلى البرامكة. اختفت فريدة ولم يُعرف لها أثر بعد نكبة البرامكة، رغم بحث الرَّشيد عنها. ظهرت مجددًا في عهد الأمين وبقيت في بلاطه حتى مقتله سنة 198هـ / 813م. خرجت فريدة من القصر لاحقًا وتزوجت مرتين ثم توفيت عند زوجها السندي بن الحرشي، وتوفيت عنده سنة 220هـ / 835م. عُرفت بفريدة الكُبرى تمييزًا لها عن جارية أخرى بنفس الاسم عُرفت في عهد الواثق بالله.[97]
نظم الفارسية
جارية ذات أصول فارسيَّة، اشتراها الأمين من سوق الرقيق في بغداد بمبلغ عشرين ألف درهم. حظيت نظم بمكانة خاصة لدى الأمين، لكن حياتها في قصر الخلافة قصيرة، إذ توفيت في حياة الأمين. اشتد حزن الخليفة وجزعه عليها لموتها، وعزَّته والدته السيدة زبيدة وواسته في فقدانها.[98]
ضعيف
جارية مغنية وشاعرة في قصر الأمين، لا يُعرف الكثير عن أصلها. يُروى أن الأمين تطيَّر من اسمها (ضعيف). وقد دعيت مرة للغناء بحضرة الأمين وعمه المُغني إبراهيم بن المهدي حاضرًا، فتطير الاثنان من اسمها وغنائها في تلك الليلة المشؤومة، حتى قال الأمين بعدها: «والله؛ ما أظن أمري إلا قريب». ولم تمضِ سوى ليلتين حتى قُتل الأمين سنة 198هـ / 813م.[97]
ذريته
خلَّف الأمين ثلاثة أبناء، هم: موسى النَّاطق بالحق، توفي ولم يعقب. وعبد الله، شاعرٌ ظريف وأديب من نُدماء الخليفة هارون الواثق بالله (حكم 227 – 232هـ / 842 – 847م). وإبراهيم توفي صغيرًا.[99]
صفاته
صفته الخلقية
كان الأمين طويل القامة والعُنُق، جميلًا سمينًا، أبيض الوجه، أسود العينين وحجمها صغيرًا، أسود الشعر وسبطه، به أثر جدري. عظيم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين.[90][92][100] وذُكر أنه ذا قُوَّة مُفرطة، وبطش وشجاعة،[92] ويُقال أنه قتل مرةً أسدًا بيده.[101] ونقش خاتمه «حسبي القادر»[102] وقيل «نعم القادر الله»، و«سائل الله لا يخيب».[92]
أخلاقه
تُعد شخصية الخليفة الأمين من أحد أكثر الشخصيات إثارةً للجدل في التاريخ العبَّاسي، إذ تباينت وتضاربت الروايات التاريخية في وصف أخلاقه وسلوكه بشكل كبير. فبينما تفيض كثير من المصادر بأخبار تُظهره بمظهر الخليفة اللاهي العابث، المنغمس في الملذات، والمُهمل لشؤون الدولة، يُلاحظ إشارات أخرى أو تحليلات نقدية للمصادر تدعو إلى التريُّث في قبول هذه الصورة المُطلقة عن الأمين.
ذكر العديد من المُؤرخين نقلًا عن بعضهم حتى الطبري روايةً أسندها للشَّاعر الفارسيُّ الأصل، سعيد بن حميد، أن الأمين وجَّه إلى جميع الولايات والبلدان في طلب المُلهين وضمهم إليه، وأجرى عليهم الأرزاق، ونافس في شراء الدواب والوحوش والسِّباع وغير ذلك، ثم اشترى الخصيان وصيَّرهم لخلوته، واحتجب عن إخوته وأهل بيته وقادته واستخف بهم، وقسم ما في بيوت الأموال وما بحضرته من الجواهر على خصيانه وجلسائه ومحدثيه، وأمر ببناء مجالس لمنتزهاته ومواضع خُلوته في قصر الخُلد والخيزرانيَّة، وبستان موسى وغيرها.[103][104][105] انتقد المؤرِّخ والباحث المصري محمد إلهامي بتحليلٍ نقدي للروايات التي تناولت شخصية الأمين وأخلاقيَّاتهُ وسلوكه، إذ أكد على ضرورة الحذر المنهجي في التعامل مع هذه الروايات لعدة أسباب، منها ضعف الأسانيد في كثير من الأحيان لهذه الفترة، واعتماد المؤرخين على روايات مرسلة أو غير موثوقة، مما يجعل التحقق من صحتها صعبًا بالاعتماد على فحص السند وحده، ويتطلب فحص المتن ومقارنته بمصادر أخرى، بما فيها كتب الأدب التي تساعد في التحقق من نسبة الأقوال والأشعار. ووجود روايات متناقضة في المصادر نفسها، فكما توجد روايات تذم الأمين، توجد أخرى تُظهر جوانب إيجابية أو مختلفة، مما يفتح الباب أمام المؤرخين لانتقاء ما يخدم وجهة نظرهم المسبقة، وهو منهج، بحسب لا يُطمأن إليه خصوصًأ مع الروايات ضعيفة الإسناد. ومع أهمية نقد المصادر في سيرة الأمين، يؤكد إلهامي أنه لا يمكن إنكار ضخامة وتواتر الروايات التي تحدثت عن لهو الأمين وسوء تدبيره وضعف شخصيته وانقياده لحاشيته (خاصة الفضل بن الربيع) لوجود هذه الروايات في مصادر تاريخية متعددة نقلها مُؤرِّخون يُشهد لهم، مما يجعل رفض هذه الصورة بالكلية أمرًا صعبًا. خاصة وأن الروايات لم يُكتب جله في عهد المأمون، فلا يُمكن للمأمون أي تواجد في توجيه هذا التاريخ، فضلًا عن ذرية المأمون التي لم تحظى بالحُكم. يُرجِّح إلهامي أن الأمين كان بالفعل يمتلك بعض هذه الصفات السلبية المنقولة عنه، وإن كانت بعض الروايات قد بالغت فيها أو أضافت إليها قصصًا لا أصل لها.[10][106] خصوصًا وأن قصره يعجُّ الجواري الغُلاميَّات اللاتي يلبسن لباس الغُلمان، وظهورها كظاهرة اجتماعيَّة.[95]
وفي مقابل الصورة السَّلبية الشائعة، تجرَّدت أقلام المُؤرخين والباحثين في الدفاع عن الأمين، وذكر أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة القاهرة، حسن أحمد محمود قوله: «وولده الأول - أي الرشيد - الخليفة المظلوم الذي ضاعت شخصيته الحقيقية لما لحقه الهزيمة ... والروايات التاريخية تصوره رجلا مترفا غير حازم يحالفه سوء الطالع في كل ما يحاوله».[107] وقال المُؤرِّخ والباحث العراقي عبد العزيز الدوري حول هذه الروايات: «وهنا يرتبك الباحث بين تضليلات وأكاذيب المؤرخين، ولكن معرفة أخلاق الأمين وصفاته ضرورية لبيان أثرها في فشله».[108] ورفض سيد بلاط، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلاميَّة في جامعة الأزهر ما يُدار حول سلوكيَّات الأمين، ردًا على مبادرة من مجتمع الميم، قائلًا: «لا يوجد في التاريخ الإسلامي رواية حقيقية تؤيد ما تقوله تلك المبادرة المزعومة، فتلك روايات مغلوطة وليست حقيقية»، وحمَّل الشُّعوبيين مسؤولية صحة هذه الروايات، قائلًا: «تلك الروايات الكاذبة قام بها جماعات الشعوبيين حول خلفاء المسلمين، والشعوبيون أصلهم من الفرس، وهؤلاء يرون أن العرب المسلمين قضوا على الدولة الفارسية، لذلك يثيرون هذه الروايات، لتشويه خلفاء المسلمين»، وتابع: «المستشرقون أخذوا تلك الروايات، مع الأسف وأذاعوها بغير تدقيق صحيح وموجودة في كتب شيعية وكتاب الأغاني للأصفهاني، لكنها روايات غير صحيحة، ولا يوجد ما يثبت ما يقولونه حول نجل هارون الرشيد أو أئمة المسلمين والصوفيين».[وب 1] وذكر مؤلف كتاب الأمين الخليفة المفتري عليه، المُكوَّن من 166 صفحة، لمُؤلفه عبد المنعم رشاد قائلًا: «مورست ضد الأمين دعاية واسعة النطاق استهدفت تشويه شخصيته باختلاق ووضع الروايات التي كانت تدينه وتنتقص منه تارة. وتارة أخرى بتحريف الوثائق .. بما يقود إلى رسم صورة سلبية عنه».[109] وتظهر بعض المواقف المنسوبة إليه جوانب إيجابية، كنصائحه التي وجهها لقادة جيشه قبل خروجهم لحرب المأمون والتي تدل على فهمٍ للشأن العسكري ومنها عدم التعرُّض لأهل القرى وانتهاك الحُرمات. وكذلك رد فعله الغاضب القاطع لطلب أسد بن يزيد الشيباني باستخدام أبناء أخيه المأمون الصغار كرهائن لتهديد المأمون، قائلاً له في حدة: «أنت أعرابي مجنون!... وتدعوني إلى قتل ولدي وسفك دماء أهل بيتي؟!!»، وهو موقف يُظهر تمسكه بحدود أخلاقيَّة نبيلة حتى في خضم الصراع المرير. وبالتالي، تبدو صورة الأمين في المصادر التاريخية معقدة ومتناقضة، تجمع بين خليفة تلقى تعليمًا جيدًا أظهر ذكاءً وفصاحة في بعض المواقف، وبين شاب استسلم لملذاته وأهمل مسؤولياته الجسام تحت تأثير حاشية قوية دفعته لاتخاذ قرارات كارثية أودت به وبدولته.[10][110]
وقبِل بعض المُؤرِّخين الروايات التي تناولت سلوكيَّات الأمين، مثل الأستاذ الجامعي والمُؤرِّخ المصري شوقي ضيف، فذكر أن الأمين أول من شرب الخمر المُسكرة من خُلفاء بني العبَّاس، بعكس أبيه الرَّشيد وعمَّهِ الهادي، إذ شربا الأنواع المُحلِّلَّة من النبيذ سواءً من التمر أو الزبيب بما أحلَّهُ فُقهاء أهل العراق.[111] ويُبرر المُؤرِّخ ضيف عن ظاهرة الأمين، قائلًا: «والأمين في خمره ومجونه ليس شذوذًا في عصره بل هو امتداد لموجة حادَّة بدأها الوليد بن يزيد في دمشق لآخر عصر بني أمية ثم مطيع بن إياس ورفقاؤه من أمثال والبة بن الحباب في الكوفة وبشار وأضرابه المُجَّان في البصرة».[112] في حين رفض المُؤرِّخ المصري محمد إلهامي رواية شرب الأمين للخمر، قائلًا: «إلا أن ما أشيع عنه من شرب الخمر غير ثابت، بل إن الأمين وجد أبا نواس مسجونًا مع الزنادقة بأمر الرشيد، فلما أمر بإخراجه علم بشربه الخمر فأعاده ثانية إلى السجن».[2] ويُعلِّق المُؤرخ والفقيه المصري محمد الخضري بك في ختامه لسيرة الأمين بكتابه، قائلًا: «جميع ما وقفنا عليه من أخبار الأمين وسيره أنه كان يميل جداً إلى اللهو والغناء والشرب حتى أقعده ذلك عن التدبير لأموره».[113]
ميراثه
الأقوال عنه
- الإمام الفقيه أحمد بن حنبل: «إني لأرجو أن يرحم الله الأمين بإنكاره على إسماعيل بن علية، فإنه أُدخل عليه، فقال له: يا ابن الفاعلة أنت الذي تقول: كلام الله مخلوق».[114]
- المُغني والشَّاعر إسحاق الموصلي: «اجتمعت في الأمين خصائل لم تكن في غيره، كان أحسن الناس وجهاً، وأسخاهم، وأشرف الخلفاء أباً وأماً، حسن الأدب، عالماً بالشعر، لكن غلب عليه الهوى واللعب، وكان مع سخائه بالمال بخيلاً بالطعام جداً».[114]
- المُؤرِّخ الجُغرافي المسعودي: «باسطا يده بالعطاء فبيح السيرة ضعيف الرأي سفاكًا للدماء يركب هواه ويهمل أمره ويتكل في جليل الخطوب على غيره ويثق بمن لا ينصحه».[92]
- المُؤرِّخ البغدادي اليعقوبي: «فأفسد قوم قلب محمد على المأمون، وأوقعوا بينهما الشر، وكان الذي يحرضه علي بن عيسى بن ماهان، والفضل بن الربيع، ففعل ذلك».[115]
- المُؤرِّخ الأندلسي ابن دحية الكلبي: «وكان يركب هواه ويهمل أمر دنياه، ولما خلعه المأمون كان يعيبه بصحبة أبي نواس».[30]
- المُؤرِّخ المُوصلِّي ابن الأثير الجزري: «ولم نجد في سيرته ما يُستحسن ذكره من حلم، أو معدلة، أو تجربة، حتى نذكرها، وهذا القدر كافٍ»، بعد ذكره لبعضًا من سيرة الأمين.[83]
- الحافظ جلال الدين السيوطي: «وكان من أحسن الشباب صورة .. ذا قوة مفرطة، وبطش وشجاعة معروفة .. وله فصاحة، وبلاغة، وأدب، وفضيلة، لكن كان سيء التدبير، كثير التبذير، ضعيف الرأي، أرعن، لا يصلح للإمارة».[101]
- الفقيه المصري محمد الخضري بك: «كانت هذه المدة التي وليها الأمين مملوءة بالمشاكل والاضطرابات بين الأخوين الأمين والمأمون. وكادت الأمة تذهب بينهما ضياعاً وسبب ذلك ما فعله الرشيد من ولاية العهد لأولاده الثلاثة أحدهم بعد الآخر وقسمته البلاد بينهم».[116] وانتقد الأمين قائلًا: «أول ما عرف من عمل الأمين إرادته الغدر بأخيه والرمي بعهد الرشيد وراء ظهره، فقد أخذ العهدين من البيت الحرام ومزقهما تمزيقاً غير ناظر إلى ما وراء ذلك من العواقب الوخيمة في نظر الجمهور، إذ ليس أعظم في نظر المسلم من انتهاك حرمة البيت المقدس، ولا انتهاك أعظم من إفساد أمر دبر فيه .. فلا غرابة أن رأينا جمهور الأمة في صف أخيه».[117] وفي ختام سيرته، قال: «جمع ما وقفنا عليه من أخبار الأمين وسيره أنه كان يميل جداً إلى اللهو والغناء والشرب حتى أقعده ذلك عن التدبير لأموره. هذا مع أنه ممتاز على بني العباس قاطبة بأنه هاشمي الأبوين، ولكن ليس بحسن الأنساب تعلو الرجال وإنما علوها بحسن الفعال».[113]
- المُؤرِّخ المصري حسن خليفة: «كان الأمين تنقصه الدربة السياسية وأنت تعلم أن الدربة السياسية هي ناحية يؤبه لها كثيرا، في تنمية روح الحكم .. وقد أجمع المؤرخون على أنه كان مستهترا مسرفا مع خور خلقي وعدم تبصر في العواقب، ولا ترو في مهمات الأمور».[118] وقال أيضًا بعد إيراد لأقوال المُؤرخين في أخلاق الأمين: «وكان طيب القلب، يعفو حتى عن الخارجين عليه، والمسيئين إليه، وأن موقفه مع حسين بن علي بن ماهان لمعروف مشهور».
- المُؤرِّخ العراقي عبد المنعم رشاد: «ولم يكن الأمين بالشخصية السلبية المنفعلة، بل كان شخصاً إيجابياً امتاز بالصفات والخصال الآتية: الكرم والشجاعة والحزم والثبات والصبر، بعكس ما أشيع عنه من ضعف ووهن وطيش وهوى وبخل».[109]
- المُؤرِّخ المصري محمد إلهامي: «قضى الأمين في خلافته أربع سنوات وثمانية أشهر لم يكن في يوم منها سعيدا أو هانئا، فهو منذ اللحظة الأولى يفكر ويقدر ويخطط ويدبر للإيقاع بأخيه المأمون، وحين لم ينجح في هذا كان عليه أن يقضي حياته في التفكير والتقدير للنجاة من المصير المحتوم الذي يبدو كل يوم أوضح وأظهر منه في الأمس!»، ويتابع في فقرة وقفةٍ مع الأمين، قائلًا: «لكن الأمين بكل يقين لم يكن على مستوى المهمَّة ولا على قدر الخلافة، ثم لم يتهيأ له من البطانة ما يعتدل به حاله، بل كان رجاله في السياسة والحرب أقلَّ شأنًا من تحمُّل مهمَّة الخلافة العظيمة!».[119] وفصّل حال بطانة الأمين، قائلاً: «فمنذ المواجهة الأولى كان يمثل الأمين الرجل الظالم المغرور الذي كرهه الخُراسانيون علي بن عيسى بن ماهان، وقد أودى به غروره، ثم أرسل الأمين بعبد الرحمن الأنباري الذي هُزم ثم غدر ثم هُزم، ثم بقائدين اختلفا حتى رجعا من غير حرب .. ومن وراء هؤلاء الفضل بن الربيع الذي أشعل فتنة وقت الأمن وهرب وقت الحاجة!»، ثم ذكر حاشية المأمون، قائلًا: «على حين كان رجال المأمون رجالا كطاهر بن الحسين الذي كان قائدًا فذًّا وسياسيًّا محنَّكًا، ومخلصا إلى الحد الذي قال فيه: لا بد من قطع الأواطر والتنكر للأقارب في تأكيد الخلافة والقيام بحق الطاعة .. وقد ظلت أسرته الطاهرية تحكم خراسان من بعده لفترة طويلة .. وهرثمة بن أعين القائد المخلص الذي لم يفشل في مهمَّة سابقة أُسندت إليه إن كان في الشام أو في مصر أو في سمرقند أو في بغداد»، وختم سيرة الأمين، قائلًا: «فهكذا.. خذل الأمينَ رجالُه!».[120]
في الثقافة المرئية
مسلسلات
- عصر الأئمة (1997) إنتاج مصري عن سيرة الأئمة الثلاثة الشافعي ومالك وابن حنبل. جسد دور الأمين، المُمثل المصري محمود البنا.
- هارون الرشيد (1997) إنتاج مصري عن سيرة حياة هارون الرَّشيد. جسد دور الأمين، المُمثل المصري حسام عادل.
- أبناء الرشيد (2006) إنتاج أردني عن الأمين والمأمون. جسد دور الأمين، المُمثل الأردني منذر رياحنة.
- الإمام (2017) إنتاج قطري عن شخصية الإمام أحمد بن حنبل. جسد دور الأمين، المُمثل السُّوري خالد القيش.
انظر أيضًا
مراجع
فهرس المنشورات
- ^ ا ب ابن الكازروني (1970)، ص. 130.
- ^ ا ب إلهامي (2013)، ص. 474.
- ^ ا ب هدارة (1966)، ص. 33.
- ^ الأفغاني (1978)، ص. 51.
- ^ القيرواني (1972)، ج. 1، ص. 184.
- ^ ا ب ج هدارة (1966)، ص. 27.
- ^ السيوطي (2003)، ص. 244.
- ^ ابن العمراني (1999)، ص. 96-97.
- ^ القيرواني (1972)، ج. 3، ص. 67.
- ^ ا ب ج إلهامي (2013)، ص. 498.
- ^ ا ب هدارة (1966)، ص. 33 - 34.
- ^ هدارة (1966)، ص. 35.
- ^ ا ب ابن الأثير (2005)، ص. 874.
- ^ هدارة (1966)، ص. 36-37.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 876.
- ^ هدارة (1966)، ص. 38-40.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 881.
- ^ ا ب الطبري (2004)، ص. 1713.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 882.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 884 - 885.
- ^ ا ب الطبري (2004)، ص. 1695.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 883.
- ^ ا ب ابن الأثير (2005)، ص. 885-886.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 886.
- ^ العبادي (1988)، ص. 93.
- ^ ابن الكازروني (1970)، ص. 130-131.
- ^ ا ب الطبري (2004)، ص. 1712.
- ^ ا ب ج د ه ابن الأثير (2005)، ص. 889.
- ^ الخضري (2003)، ص. 6.
- ^ ا ب الأندلسي (1946)، ص. 43.
- ^ ا ب ابن الأثير (2005)، ص. 890.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 891.
- ^ الطبري (2004)، ص. 1712-1713.
- ^ الطبري (2004)، ص. 1713-1715.
- ^ هدارة (1966)، ص. 45.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 889-890.
- ^ الخضري (2003)، ص. 152.
- ^ إلهامي (2013)، ص. 476.
- ^ ا ب الطبري (2004)، ص. 1717.
- ^ ا ب إلهامي (2013)، ص. 477.
- ^ الطبري (2004)، ص. 1720.
- ^ ا ب إلهامي (2013)، ص. 478.
- ^ الطبري (2004)، ص. 1718.
- ^ هدارة (1966)، ص. 52.
- ^ الطبري (2004)، ص. 1719.
- ^ إلهامي (2013)، ص. 476-477.
- ^ الطبري (2004)، ص. 1721-1722.
- ^ إلهامي (2013)، ص. 480.
- ^ ا ب إلهامي (2013)، ص. 481-482.
- ^ اليعقوبي (2010)، ج. 2، ص. 387-388.
- ^ إلهامي (2013)، ص. 481.
- ^ الطبري (2004)، ص. 1729.
- ^ ا ب إلهامي (2013)، ص. 482.
- ^ ا ب إلهامي (2013)، ص. 483.
- ^ ا ب إلهامي (2013)، ص. 484.
- ^ ا ب ج د إلهامي (2013)، ص. 485.
- ^ ا ب إلهامي (2013)، ص. 486.
- ^ ا ب ج د إلهامي (2013)، ص. 487.
- ^ ا ب ج إلهامي (2013)، ص. 488.
- ^ إلهامي (2013)، ص. 489.
- ^ ا ب إلهامي (2013)، ص. 490.
- ^ الطبري (2004)، ص. 1743.
- ^ ا ب ج إلهامي (2013)، ص. 492.
- ^ ا ب إلهامي (2013)، ص. 493.
- ^ إلهامي (2013)، ص. 492-494.
- ^ الطبري (2004)، ص. 1768.
- ^ إلهامي (2013)، ص. 495.
- ^ ا ب ج الطبري (2004)، ص. 1769.
- ^ الطبري (2004)، ص. 1756-1758.
- ^ ا ب الطبري (2004)، ص. 1758-1759.
- ^ الطبري (2004)، ص. 1756-1762.
- ^ اليعقوبي (2010)، ج. 2، ص. 393-394.
- ^ الطبري (2004)، ص. 1759-1760.
- ^ ا ب ابن خياط (1985)، ص. 468.
- ^ اليعقوبي (2010)، ج. 2، ص. 394-395.
- ^ ابن الكازروني (1970)، ص. 132.
- ^ ا ب ج د إلهامي (2013)، ص. 496.
- ^ الطبري (2004)، ص. 1773.
- ^ ابن العمراني (1999)، ص. 94-95.
- ^ ابن العمراني (1999)، ص. 97-98.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 907.
- ^ الدوري (1997)، ص. 146.
- ^ ا ب ج ابن الأثير (2005)، ص. 909.
- ^ ليونز (2010)، ص. 98 - 99.
- ^ غنيمة (2006)، ص. 577.
- ^ الطبري (2004)، ص. 1764-1766.
- ^ ا ب عبد الحكيم (2011)، ص. 59.
- ^ عبد الحكيم (2011)، ص. 60.
- ^ الكردي (2014)، ص. 65.
- ^ ا ب ج د الطبري (2004)، ص. 1764.
- ^ الطبري (2004)، ص. 1760.
- ^ ا ب ج د ه و المسعودي (1893)، ص. 349.
- ^ ابن الكازروني (1970)، ص. 133.
- ^ الطبري (2004)، ص. 1711.
- ^ ا ب ضيف (1966)، ص. 58.
- ^ ا ب حسن (2013)، ص. 85.
- ^ ا ب حسن (2013)، ص. 86.
- ^ حسن (2013)، ص. 87.
- ^ العباسي (2000)، ص. 79.
- ^ ابن العمراني (1999)، ص. 95.
- ^ ا ب السيوطي (2003)، ص. 236.
- ^ ابن الكازروني (1970)، ص. 131.
- ^ الطبري (2004)، ص. 1966.
- ^ ابن الأثير (2005)، ص. 908-909.
- ^ خليفة (1931)، ص. 81-82.
- ^ إلهامي (2013)، ص. 497-498.
- ^ محمود (1980)، ص. 139-140.
- ^ الدوري (1997)، ص. 144-145.
- ^ ا ب رشاد (2000)، ص. 152.
- ^ رشاد (2000)، ص. 148-150.
- ^ ضيف (1966)، ص. 66.
- ^ ضيف (1966)، ص. 66-67.
- ^ ا ب الخضري (2003)، ص. 151-165.
- ^ ا ب السيوطي (2003)، ص. 241.
- ^ اليعقوبي (2010)، ج. 2، ص. 387.
- ^ الخضري (2003)، ص. 151.
- ^ الخضري (2003)، ص. 164.
- ^ خليفة (1931)، ص. 81.
- ^ إلهامي (2013)، ص. 496-497.
- ^ إلهامي (2013)، ص. 499.
فهرس الوب
- ^ سعيد حجازي (5 ديسمبر 2020). "هل كان ابن هارون الرشيد شاذ جنسيا؟.. أستاذ تاريخ اسلامي يجيب". الوطن. اطلع عليه بتاريخ 2025-04-08.
معلومات المنشورات كاملة
- الكتب مرتبة حسب تاريخ النشر
- أحمد فريد رفاعي (1928)، عصر المأمون (ط. 3)، القاهرة: دار الكتب والوثائق القومية، OCLC:24417337، QID:Q123460212
- حسن خليفة (1931)، الدولة العباسية: قيامها وسقوطها (ط. 1)، القاهرة: المطبعة الحديثة، OCLC:4770488803، QID:Q106997581
- جلال الدين السيوطي (1947)، صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام ويليه مختصر السيوطي لكتاب نصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان، تحقيق: علي سامي النشار (ط. 1)، القاهرة: مكتبة الخانجي، OCLC:23508482، QID:Q123504651
- ابن الساعي (1960)، نساء الخلفاء: جهات الأئمة الخلفاء من الحرائر والإماء، ذخائر العرب (28)، تحقيق: مصطفى جواد، القاهرة: دار المعارف، OCLC:953069400، QID:Q123371389
{{استشهاد}}
: صيانة الاستشهاد: ref duplicates default (link) - محمد مصطفى هدارة (1966)، المأمون: الخليفة العالم، القاهرة: الدار المصرية للتأليف والترجمة، OCLC:762429655، QID:Q123237917
- أبو إسحاق إبراهيم الحصري القيرواني (1972)، زهر الآداب وثمر الألباب، مراجعة: زكي مبارك. تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد (ط. 4)، بيروت: دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع، OCLC:318939046، QID:Q123472284
- ابن حبان (1973)، الثقات، حيدر آباد: دائرة المعارف العثمانية، OCLC:4770597653، QID:Q121009378
{{استشهاد}}
: صيانة الاستشهاد: ref duplicates default (link) - جلال الدين السيوطي (1976)، المستظرف من أخبار الجواري، تحقيق: صلاح الدين المنجد (ط. 2)، بيروت: دار الكتاب الجديد، OCLC:21626076، QID:Q123438125
- القاضي التنوخي (1978)، الفرج بعد الشدة، تحقيق: عبود الشالجي، بيروت: دار صادر، OCLC:1408741864، QID:Q123438060
- سعيد الأفغاني (1978)، من تاريخ النحو (ط. 2)، بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، OCLC:929481688، QID:Q123342256
- منير الخوري عيسى أسعد (1984)، تاريخ حمص، من ظهور الاسلام حتى يومنا سنة 622 - 1977 م (ط. 1)، مطرانية حمص للروم الأرثوذكس، ج. 2، QID:Q124355712
- خليفة بن خياط (1985)، تاريخ خليفة بن خياط، تحقيق: أكرم ضياء العمري (ط. 2)، الرياض: دار طيبة، OCLC:4771106956، QID:Q126728707
- محب الدين ابن النجار (1986)، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد، تحقيق: محمد مولود خلف (ط. 1)، مؤسسة الرسالة، OCLC:827876938، QID:Q123437534
- ميخائيل عواد (1986)، صور مشرقة من حضارة بغداد في العصر العباسي (ط. 2)، بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة، OCLC:745120826، QID:Q123235664
- أحمد مختار العبادي (1988)، في التاريخ العباسي والأندلسي، القاهرة: دار النهضة العربية (القاهرة)، OCLC:4770066959، QID:Q123235620
- سيغريد هونكه (1993)، شمس العرب تسطع على الغرب (ط. 8)، دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع، دار الآفاق الجديدة، QID:Q123515937
- شمس الدين الذهبي (1996)، سير أعلام النبلاء، تحقيق: شعيب الأرنؤوط (ط. 11)، بيروت: مؤسسة الرسالة، OCLC:49724069، QID:Q124255462
- ابن العمراني (1999)، الإنباء في تاريخ الخلفاء، تحقيق: قاسم السامرائي (ط. 1)، القاهرة: دار الآفاق العربية، OCLC:41180859، QID:Q56367172
{{استشهاد}}
: صيانة الاستشهاد: ref duplicates default (link) - محمود شاكر (2000)، تاريخ الدولة العباسية (ط. 6)، بيروت: المكتب الإسلامي، QID:Q125381951
- حسني أحمد علي العباسي (2000). الأساس في أنساب بني العباس. تحقيق: أحمد عمر هاشم، حسين يوسف دويدار، محمد عبد الحميد راغب (ط. 1). القاهرة: دار ركابي للنشر. ISBN:978-977-6007-01-7. OCLC:45698005. OL:20771168M. QID:Q123463845.
- عبد المنعم رشاد (2000)، الأمين: الخليفة المفترى عليه: نظرة في طبيعة الصراع بين الأمين والمأمون، بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة، OCLC:4770936907، QID:Q133815643
- ابن قدامة (2001)، التوابين (دار الكتاب العربي، ط 6، 2001) (ط. 6)، بيروت: دار الكتاب العربي، QID:Q124498415
{{استشهاد}}
: صيانة الاستشهاد: ref duplicates default (link) - ابن خلدون (2001)، تاريخ ابن خلدون، تحقيق: خليل شحادة، بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، OCLC:4771121968، QID:Q113632106
{{استشهاد}}
: صيانة الاستشهاد: ref duplicates default (link) - حسين نصار (2002)، الثورات الشعبية في مصر الإسلامية (ط. 2)، القاهرة: مكتبة الدراسات الشعبية، QID:Q124398383
- محمد الخضري بك (2003). الدولة العباسية. مراجعة: نجوى عباس. القاهرة: مؤسسة المختار للنشر. ISBN:978-977-5283-97-9. OCLC:54844608. OL:31601253M. QID:Q123224571.
- عبد المنعم الهاشمي (2003). الخلافة العباسية (ط. 1). بيروت: دار ابن حزم. ISBN:978-9953-81-268-7. OCLC:405481588. QID:Q123226173.
- جلال الدين السيوطي (2003)، تاريخ الخلفاء (ط. 1)، بيروت: دار ابن حزم، QID:Q123424538
- ابن كثير الدمشقي (2004)، البداية والنهاية، تحقيق: أبو صهيب الكرمي (ط. 1)، لبنان: بيت الأفكار الدولية، OCLC:1014077365، QID:Q123368203
- محمد بن جرير الطبري (2004). تاريخ الأمم والملوك، تاريخ الطبري: طبعة مقدم لها بتوضيح في أسانيد الطبري وبيان المؤاخذات عليها، وصححت النسخة على أصح النسخ الموجودة، وخدمت بفهارس للآيات وفهارس للأحاديث، وفهارس للموضوعات. مراجعة: أبو صهيب الكرمي. عَمَّان: بيت الأفكار الدولية. ISBN:978-9957-21-152-3. OCLC:956977290. QID:Q123224476.
- خالد أحمد حربي (2004). علوم حضارة الإسلام ودورها في الحضارة الإنسانية (ط. 1). الدوحة: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (قطر). ISBN:978-99921-63-18-4. OCLC:61491925. QID:Q123497142.
- المسعودي (2005). مُرُوج الذهب ومعادن الجوهر. مراجعة: كمال حسن مرعي (ط. 1). صيدا، بيروت: المكتبة العصرية. ISBN:9953-34-317-9. OCLC:4770827273. QID:Q116270317.
{{استشهاد بكتاب}}
: صيانة الاستشهاد: ref duplicates default (link) - ابن الأثير الجزري (2005)، الكامل في التاريخ، مراجعة: أبو صهيب الكرمي، عَمَّان: بيت الأفكار الدولية، OCLC:122745941، QID:Q123225171
- أبو الفرج الأصفهاني (2006)، مقاتل الطالبيين، تحقيق: السيد أحمد صقر (ط. 4)، بيروت: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، QID:Q123476121
- سبط ابن الجوزي (2008)، تذكرة الخواص: المعروف بتذكرة خواص الأمة في خصائص الأئمة عليهم السلام، تحقيق: محمد صادق بحر العلوم، القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية، OCLC:4770840439، QID:Q123370859
- ابن طيفور (2009)، تاريخ بغداد (أقدم مما كُتب في تاريخ الخليفة المأمون) (ط. 1)، بيروت: دار الكتب العلمية، OCLC:432721989، QID:Q124311505
{{استشهاد}}
: صيانة الاستشهاد: ref duplicates default (link) - محمد سهيل طقوش (2009). تاريخ الدولة العبَّاسيَّة (ط. 7). بيروت: دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع. ISBN:978-9953-18-045-8. OCLC:915153412. QID:Q107182076.
- جوناثان ليونز (2010). بيت الحكمة: كيف أسس العرب لحضارة الغرب. ترجمة: مازن جندلي (ط. 1). بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون. ISBN:978-614-421-990-4. OCLC:4770000280. QID:Q123371046.
- ابن حزم الأندلسي (2010)، جمهرة أنساب العرب، تحقيق: عبد السلام هارون (ط. 7)، القاهرة: دار المعارف، QID:Q114955882
- منصور عبد الحكيم (2011). هارون الرشيد: الخليفة المفترى عليه. تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد (ط. 1). دمشق: دار الكتاب العربي. ISBN:978-977-376-595-8. OCLC:1158850430. QID:Q123371308.
- عباس القمي (2011)، منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل (دار المصطفى، ط 3، 2011) (ط. 3rd)، QID:Q124651162
- سامي المغلوث (2012). أطلس تاريخ الدولة العباسية (ط. 1). الرياض: مكتبة العبيكان. ISBN:978-603-503-187-5. OCLC:1110151554. OL:31223741M. QID:Q124269560.
- ابن الطقطقي (2013)، الفخري في الآداب السلطانية والدولة الإسلامية (ط. 2)، بيروت: دار صادر، QID:Q125263713
{{استشهاد}}
: صيانة الاستشهاد: ref duplicates default (link) - أمل محي الدين الكردي (2014)، دور النساء في الخلافة العباسية، عَمَّان: دار اليازوري، QID:Q125997403
- محمد صقر الدوسري؛ محمد نصر عبد الرحمن (2016). تاريخ الدولة العباسية في العصر العباسي الأول. الأحساء: جامعة الملك فيصل. ISBN:978-9960-08-128-1. QID:Q124417503.
- جاك ريسلر، الحضارة العربية، ترجمة: غنيم عبدون، مراجعة: أحمد فؤاد الأهواني، القاهرة: الدار المصرية للتأليف والترجمة، OCLC:929486437، QID:Q123371921
- المقالات المحكمة
- عبد الفتاح مصطفى غنيمة (2006). "العلم والترجمة في عهد الخليفة المأمون". الداعي. ج. 30 ع. 3–4: 577. ISSN:2347-8950. QID:Q123385589.
مُحمَّد الأمين ولد: شوَّال 170 هـ / أبريل 787 م توفي: 25 مُحرَّم 198 هـ / 27 سبتمبر 813 م
| ||
ألقاب سُنيَّة | ||
---|---|---|
سبقه هارُون الرَّشيد |
أمِيرُ المُؤمِنين
4 جُمادى الآخرة 193 – 25 مُحرَّم 198 هـ |
تبعه عبد الله المأمُون |
- قوالب شجرات نسب
- حكام في إفريقيا القرن 9
- الفتنة الرابعة
- أشخاص من الدولة العباسية في القرن 8
- إعدامات في الدولة العباسية في القرن 9
- حكام القرن 9 في أوروبا
- حكام في آسيا في القرن 9
- حكام في إفريقيا في القرن 9
- خلفاء عباسيون في القرن 9
- خلفاء مغتالون
- شخصيات من ألف ليلة وليلة
- عرب في القرن 8
- عرب في القرن 9
- مسلمون عرب
- ملكيون قتلوا في القرن 9
- مواليد 170 هـ
- مواليد 786
- مواليد 787
- هارون الرشيد
- هاشميون
- وفيات 198 هـ
- وفيات 813
- وفيات في بغداد